كثيراً ما تجبرنا الظروف على تغيير أماكن إقامتنا والانتقال بعيداً عن بيئتنا، لكن بعضنا يحمل شغفه معه أينما ذهب! بمجرد الجلوس مع السيدة دانية يعقوب والحديث معها أوّل مرّة، وجدتُ نفسي مأخوذة بشغفها الذي أصبح هاجساً أيضاً، والذي يحملها إلى اللحاق به واكتشاف مواطنه.
بدايات العمل التطوّعي!
بدأت يعقوب عملها التطوّعي الأوّل بتوزيع مساعدات حين كانت في الـ 18 من عمرها ضمن تجمّع عائلي، ومع بدء الثورة السورية عام 2011 تطوّعت بعدّة مؤسسات إغاثية وشاركت بنشاطات خاصة بالأطفال في المدارس التابعة للأونروا في ريف دمشق، وارتكز اهتمامها على الأنشطة التربوية القائمة على حقوق الإنسان والطفل.
وأسست تجمّع (my Right) في ريف دمشق الذي كان له فرع في مصر، بالإضافة إلى تأسيس مشروع اسمه مكتبتي ومركز صديق للطفولة. في لبنان شاركت بالعمل الإغاثي وأدارت مشروع “سنبلة” التطوعي؛ الذي استطاع تحويل الخيام إلى مدارس اعتُمد فيها منهاج تعليمي حديث، ثمّ تأسيس كورال للأطفال.
العمل التطوّعي في ألمانيا!
لم يمنعها حاجز اللغة من استكمال ما بدأته في سوريا، فمنذ انتقالها عملت كمتطوعة في عدة جمعيات منها AWO وكاريتاس، ثم أسست مشروعاً مع مجموعة من السيدات لتعليم اللغة الألمانية في مراكز إقامة اللاجئين، وما لبثت أن قامت بترخيص المشروع ليصبح “مشروع نساء سوريات نستطيع” لكن الاسم تغيّر إلى “الجمعية السورية الألمانية للمرأة” بسبب مشاركة سيدات ألمانيات في المشروع. هذه الجمعية بمثابة جسر بين الجمعيات لفهمها متطلبات مجتمع اللاجئين الذي ينتمي إليه أعضاء الجمعية.
ما هي المشاريع التي قامت بها الجمعية؟
ضمن شراكة مع كاريتاس قامت الجمعية بمشروع لتعليم اللغة الألمانية بمساعدة متطوعات ألمانيات بالإضافة إلى تدريب (التواصل اللاعنفي)، ثم مشروع (Selbsthilfe Gruppe) الذي يسمح بأن تتبادل فيه النساء معارفهن وخبراتهن وتقدمن المساعدة لبعضهن، فكان مكاناً آمناً وديمقراطياً للنساء.
أما المشروع الذي استحوذ على اهتمام السيدة يعقوب؛ فكان للأطفال الذين تعلّموا اللغة الألمانية بسرعة، ولم تستطع أغلب الأمهات مجاراتهم، ما دفع الجمعية إلى التركيز على اللغة الأم “العربية والكردية” لتبقى وسيلة التواصل بين الأم وأبنائها. بأساليب حديثة ومن خلال نشاطات ورحل تمكينية تدعم الاندماج، ولم يقف الحجر الصحي الذي تسبب به كورونا في وجه المشروع الذي استكملته الجمعية عبر برنامج ZOOM ومنصات التواصل الأخرى.
ولأنّ الموسيقى غذاء الروح، جاءت فكرة كورال حنين النسائي؛ وهو جزء من شبكة كبيرة اسمها شبكة حنين، التي تهتمّ بالتراث السوري الموسيقي مع المساحة الخاصة بكورال حنين من هامبورغ الذي فتح المجال لاختيار أغنيات عربية أيضاً. وله دور مميز بمساعدة النساء ودعمهن.
قيمة العمل التطوّعي!
“الشخص الذي يتطوّع لديه صفات إنسانية وأخلاقية تجعله يدرك أن عائد العمل التطوّعي أكبر بكثير من المقابل المادي، وهذا يُشعره بقيمة الوقت وبسعادة الناس، بالإضافة إلى أن التواصل والتعلم لا يُقدّر بثمن”.. تلك هي فكرة السيدة يعقوب عن التطوّع. الفكرة التي تتطور دائماً وتصبح أقوى استطاعت أن تفهم جوهرها من خلال عملها في المجال التطوّعي.
العقبات لا تفسد للودّ قضية!
أكّدت يعقوب على أنّ لكل مشروع عقباته التي يمكن تجاوزها بالمرونة والقدرة على إدارة الطوارئ وتقديم الحلول، لكن بالمقابل قد تتعرّض لعقبات لا يمكن تجاوزها كالبيروقراطية والمعاملات الورقية وثقافة العمل التطوّعي التي تتطوّر ببطء.
أمّا العقبة الأكبر فكانت فيروس كورونا الذي تسبّب بإغلاق مكاتب الجمعية، نتيجة الضائقة المالية التي تعرّض لها الداعم، والتي حاولوا تجاوزها عبر استخدامهم طرق التواصل الإلكترونية الحديثة. بينما يلعب حاجز ضغط الوقت والإيمان بالمشاريع دوراً سلبياً أحياناً والذي يُعتبر عائقاً أثناء تقديم طلبات التمويل.
مستقبل الجمعية
ترى يعقوب أن الخطط والأفكار كثيرة والهمّة كبيرة أيضاً، وتتمنّى أن تجد دائماً الأدوات والدعم لتطوير المشاريع الخاصة بالأطفال، والبدء بمشاريع جديدة تساهم في تمكين المرأة بعد مرور سنوات على اللجوء وتغيّر الاحتياجات، كما أنها تفكّر بشكل جدّي بمشروع مشترك لدعم اللاجئين الأوكرانيين. وجود يعقوب في ألمانيا لم يمنعها من التفكير بواقع السوريين في الداخل، وحتى تستطيع دعمهم أعادت ترخيص الجمعية لتتمكّن من إقامة مشاريع تدعم الطفل والمرأة هناك.
دانية يعقوب الثائرة الاجتماعية على حدّ قولها، والحاصلة على درجة الدراسات العليا في الآثار، كما حضّرت دكتوراه في دراسات المشرق ودبلوم التربية، كانت قد عملت في سلك التعليم وتأليف المناهج وإدارة عدة منظمات مجتمع مدني لا ربحية، تهتمّ بشؤون تمكين المرأة والطفل اجتماعياً وتعليمياً وتعمل الآن كموظفة ضمن مشروع اندماج في هامبورغ.
إعداد: هيفاء عطفة