Photo: Ahmad Kalaji
15. مارس 2021

سنوات الحرب السورية.. في براثن عشيرة الأسد!

بالذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية، نشرت صحف ألمانية عدة مواضيع ومقالات تتعلق بهذه المناسبة، أبرزها تقرير لصحيفة دير تاغزشبيغل حمل عنوان (في براثن عشيرة الأسد)، تحدث فيه الصحفي كريستيان بوهم، وزميله توماس سيبرت، عن الحرب السورية المستمرة منذ 10 سنوات، وخطر المجاعة الذي يهدد ملايين السوريين وسط أزمة وباء كورونا!

أوقفوا برامج الطبخ!

منذ 20 عامًا، أصبح الدكتاتور بشار الأسد حاكمًا لسوريا! البلد الذي يعاني من الحرب منذ عشر سنوات، فهل يستطيع النظام الصمود؟ كان أنصار الأسد متأكدين من الانتصار في بداية الانتفاضة ضد النظام قبل عشر سنوات. واليوم تواجه سوريا منعطفاً تاريخياً، وسط استمرار النزاع ومقتل مئات الآلاف، وهروب الملايين. أصبح بشار الأسد الآن أكثر عزلة من أي وقت مضى! وليس فقط بسبب إصابته بفيروس كورونا مؤخرًا!

قد يكون غياب الأسد على خلفية الإصابة بكورونا مفيدًا، ففي ضوء الوضع الاقتصادي السوري الكارثي، بدا الأسد مؤخرًا عاجزًا وغير مهتم! قبل فترة وجيزة، اقترح الأسد التخلي عن برامج الطبخ على شاشات التلفزيون المحلية، لأنها تذكر مكونات لم تعد موجودة في سوريا منذ مدة طويلة! بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

أعمال الشغب!

في 15 آذار 2011 اعتبرت مظاهرة ضد الأسد وسط دمشق بداية الانتفاضة ضد الديكتاتور الذي حكم البلاد بشكل استبدادي كما فعل والده حافظ قبله بثلاثة عقود. انطلاق الربيع العربي آنذاك أعطى الأمل للسوريين بالتغيير. تعامل الأسد الابن مع بدايات الحراك الشعبي بصرامة ودون رحمة، ما أشعل فتيل حرب “أهلية”، وخلال فترة معينة، اقترب النظام من السقوط، لكن التدخل الروسي أنقذه عام 2015! اليوم، أصبح الأسد يسيطر مرة أخرى عن حوالي ثلثي الأراضي السورية. أما البقية فيحتفظ بها “المتمردون” أو يسيطر عليها الأكراد!

عائلة الأسد تحكم سوريا منذ 50 عاما، وصل الأسد الأب إلى السلطة عام 1970، وأسس نظام حكم لا يزال قائمًا على القمع والعنف والخوف حتى يومنا هذا. والمبدأ هو: (معنا أو ضدنا). ويعمل الجيش السوري والأجهزة الأمنية كذراع بطش للحاكم. على مدى عقود، احتل أعضاء من الأقلية الدينية العلوية مناصب حساسة بالجهاز الأمني للنظام​​، وحتى قبل تولي بشار الأسد منصبه خلفًا لأبيه عام 2000، أقنعه الحرس القديم التابع لوالده بأن الرغبة في الإصلاح ستُفسر على أنها ضعف! لاحقًا بعد إندلاع الاحتجاجات ضد نظام الأسد، أوضح بشار في خطاب ألقاه بالبرلمان السوري عام 2011، المسار الذي سيتخذه: (إخماد الاضطرابات واجب وطني وأخلاقي وديني)!

قناعة بشار هذه حول كيفية إخماد الإنتفاضة ضده، متناغمة مع قناعات الدائرة العائلية المقربة، على سبيل المثال، أخوه ماهر الأسد يقود الحرس الرئاسي، وينظر إليه أنه العقل المدبر للقمع العنيف للمعارضة، وهناك قطاعات كبيرة من السوريين تخاف ماهر أكثر من أخيه الرئيس! كما تلعب أسماء الأسد أيضًا دورًا مركزيًا في نظام الحكم كمستشارة لزوجها.

الأزمة الاقتصادية

أدت الحرب والعقوبات والأزمة المالية في لبنان المجاور لانهيار الاقتصاد السوري، حاليا يعادل الدولار الأمريكي الواحد نحو 4000 ليرة سورية! عندما اندلعت الحرب قبل عشر سنوات، كان الدولار يعادل 47 ل.س! لم ترتفع رواتب القطاع الحكومي العام، والتي يعمل فيها حوالي نصف السوريين، إلا بنسبة 2.7٪ منذ عام 2011. ووفقًا للأمم المتحدة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 236% في غضون عام! بالإضافة إلى ذلك، الفساد منتشر في كل مكان، وقد احتلت سوريا المركز 178 من 180على مؤشر منظمة الشفافية الدولية!

محنة الشعب!

تسبب العنف وحالة الطوارئ الاقتصادية بعواقب وخيمة على السوريين! فأكثر من 80% من السكان يحصلون على أقل من 1.60 يورو في اليوم! لذلك هم يعيشون تحت خط الفقر الذي حدده البنك الدولي، كما أن الخوف من المجاعة يتزايد. ووفقًا لتقديرات أمريكية، سيعتمد حوالي 13.4 مليون سوري على المساعدات الإنسانية هذا العام! بريادة مليوني شخص عن العام الماضي! وذكرت تقارير صحفية أن بعض النساء السوريات يقمن الآن ببيع شعرهن لصانعي الباروكات، لكسب القليل من المال.

أطفال الحرب السورية يجمعون القمامة، ويرسلون للتسول، وتتزوج الفتيات مبكرًا! لم يعد الذهاب إلى المدرسة واردًا لمعظم هؤلاء. تقدر اليونيسف أن نحو مليوني طفل وطفلة سورية محرمون من المدرسة. لكن بطبيعة الحال، لا يمكن استخدام ثلث المدارس في البلاد. فقد تم تدميرها بغارات طيران النظام، وبعضها تستخدم كمسكن للنازحين أو لأغراض عسكرية!

بالإضافة إلى ذلك، انهار النظام الصحي في عموم البلاد. لم تعد العيادات الطبية موجودة بسبب قصف جيش الأسد والطائرات الروسية. كما غادر الآلاف من المهنيين الطبيين سوريا. ووفقًا للجنة الإنقاذ الدولية، يوجد حالياً طبيب واحد فقط لكل 10 آلاف سوري! كما أن هناك نقص بالأدوية، في وقتٍ تنتشر فيه جائحة كورونا بسرعة!

أنصار النظام

يحاول نظام الأسد خداع السوريين للاعتقاد بأن الحياة طبيعية في الداخل. تنصح شركة الكهرباء المملوكة للدولة المواطنين بعدم استخدام مجففات الشعر خلال أوقات الذروة، بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وبحسب الباحثة الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، الخبيرة بمعهد نيو لاينز للأبحاث، يكاد لا يمكن لأحد من الشعب السوري شراء مجفف الشعر أساسًا!

في حين يتباهى بعض أفراد النخبة -بمن فيهم أقارب الرئيس- بثرواتهم، بينما لا يعرف ملايين السوريين كيف يؤمنون وجبتهم التالية! حتى أن كُثر تمنوا موت بشار الأسد بعد أنباء إصابته بكورونا، كما كتب تسوركوف، نقلاً عن أحد معارفها بمدينة القرداحة، مسقط رأس الأسد الأب. بات بشار الأسد اليوم لا يحظى بـ “شعبية كبيرة” بين مؤيديه، لدرجة أن بعض المراقبين يفترضون أنه زيف خبر إصابته بالفيروس لاستجداء التعاطف، خاصة بين أنصاره!

مع ذلك، لا يزال بشار على قمة هرم السلطة. فهو يسيطر على الجيش والمخابرات اللذان يقضيا على أي مقاومة في مهدها! كما لا يزال بإمكانه الاعتماد على حليفيه روسيا وإيران، فهما رغم عدم تعاطفهما مع الرئيس، إلا أنهما يفضلان الوضع الراهن على عدم اليقين بشأن تغيير النظام! وبحلول منتصف أيار (مايو) المقبل على أبعد تقدير، يخطط الأسد لإجراء انتخابات رئاسية مزيفة، يريد من خلالها تثبيت حكمه للبلاد مدة سبع سنوات أخرى.

العقوبات

إن فشل محاولة الإطاحة بنظام الأسد بمساعدة الإجراءات العقابية الدولية، والخطر المتزايد للمجاعة، دفع بعض الخبراء للتفكير بمسارات جديدة حول التعامل مع الأزمة السورية. من بينهم الدبلوماسي الأمريكي جيفري فيلتمان، الذي يُتداول لسمه كممثل أمريكي مستقبلي لسوريا. اقترح فيلتمان وهرير باليان من مركز كارتر للأبحاث، أن يقدم للأسد تخفيضًا تدريجيًا للعقوبات، إذا سمح لمنظمات الإغاثة بالعمل بحرية داخل سوريا، وضمان إعادة بناء المدارس والمستشفيات وتطوير المزارع. ويمكن أيضًا إطلاق سراح السجناء السياسيين بهذه الطريقة.

ستلزم هذه الخطة الغرب بالتخلي عن فكرة تغيير النظام في دمشق، والتصالح مع الحقيقة المرة المتمثلة ببقاء الأسد في السلطة بعد سنوات الحرب السورية الطويلة. ومع ذلك، من غير المؤكد ما إذا كان بشار الأسد سيقبل مثل هذه المقاربة السياسية الجديدة! لكن بعد عشر سنوات من الحرب والدمار، يعتقد باليان وفيلتمان أن الأمر يستحق المحاولة! يشار إلى أنه حتى الآن، رفض رأس النظام السوري تقديم أي تنازلات، فالأسد يريد أن يستمر في الحكم، وأن يورثه من بعده إلى ابنه حافظ!