Image by Sang Hyun Cho from Pixabay
20. نوفمبر 2020

من نورمبيرغ إلى كوبلنز.. بداية نهاية الإفلات من العقاب!

قبل 75 عاماً انطلقت في قصر العدل بمدينة نورمبيرغ الألمانية، محاكمة ضباط النظام النازي، الذين قتلوا وعذبوا وبطشوا أثناء فترة الحكم النازي في ألمانيا.

هذه المحاكمات غّيرت وجه التاريخ، وكانت بداية نهاية الإفلات من العقاب، ورد الاعتبار لضحايا النظام النازي من الأوربيين واليهود الذين دفعوا ثمناً باهظاً بالمحرقة التي خلفت وراءها ملايين الضحايا في معتقلات النازية، أوشفيتز وغيره من المعتقلات التي ما تزال شاهدة على هذه الجرائم!

أثبتت محاكمة نورمبيرغ في ذلك العصر، أن العدالة لها حرّاسها، الذين يسعون إلى تحقيقها، على الرغم من تغييبها، في الحروب، وفي ظل حكم الديكتاتور! إلّا أن تاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1945، لا يمكن نسيانه، ليس من قبل الضحايا وأهاليهم فقط! بل حتى من قبل المجرمين، والمستبدين، الذين باتت محاكمات نورمبرغ تشكل كابواساً لهم! يقض مضجعم! ويحول دون استمرار ظلمهم، وإجرامهم، ويبدد أحلامهم بالإفلات من العقاب.

من نورمبيرغ إلى كوبلنز

مهدت محاكمات نورمبيرغ الطريق أمام محاكمات أخرى، وضحايا آخرين، للاقتصاص من المجرمين، مثبتة للجميع أنه لا أحد فوق القانون، مهما علت رتبه، ومهما طال ظلمه!

ولولا هذه المحاكمات لما مَثُل في شهر أيار/ مايو الماضي ولأول مرّة في جميع أنحاء العالم، جلادون من نظام الأسد أمام محكمة كوبلنز الإقليمية العليا! حيث يسمح “مبدأ القانون العالمي” لمكتب المدعي العام الاتحادي بمقاضاة الجرائم التي لا علاقة لها بألمانيا، والتي ارتكبت خارج أراضيها.

في كوبلنز وبعد 75 عاماً من محاكمة ضباط النظام النازي، بدأت محاكمة (أنور.ر) البالغ من العمر 57 عاماً، والذي كان يعمل مسؤولاً في أحد الفروع الأمنية التابعة للنظام السوري، حيث وُجهت له تهمة التعذيب والانتهاكات الوحشية التي تمت تحت إشرافه بحق أربعة آلاف من معارضي النظام السوري، بعد بداية الثورة السورية منتصف آذار من عام 2011، والتي بدأت باحتجاجات سلمية، ومظاهرات عمّت المدن السورية، مطالبة بالحرية، والعدالة، والكرامة الإنسانية، ورحيل نظام الأسد، الذي يجثم على صدور السوريين منذ عام 1970.

إلى جانب أنور، يُحاكم أيضاً (إياد.أ) البالغ من العمر 43 عاماً، بتهمة اعتقال المتظاهرين من شوارع المدن، ونقلهم إلى زنازين التعذيب، وهو يعلم تماماً المصير الذي ينتظرهم.

محاكمات كوبلنز جددت الأمل لي ولملايين السوريين، بعد فشل المجتمع الدولي بإقامة محاكمة دولية لرأس النظام السوري، بأن هناك من يسعى لبسط العدالة، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها! وشكلّت منعطفاً جديداً في مسار القضية السورية، خاصة عندما تم مواجهة المجرمين بشهود، لولا الحظ لانتهى بهم المطاف صوراً بين عشرات آلاف الصور التي هرّبها المصور العسكري (قيصر) وشاهدها العالم أجمع!

لا أحد فوق القانون

ما بين نورمبيرغ 1945 وكوبلنز 2020، كان للقانون الجنائي الدولي محطات مركزية، منها تأسيس محكمة الأمم المتحدة الخاصة بيوغسلافيا السابقة في لاهاي! ومحكمة الأمم المتحدة الخاصة برواندا في أروشا، وكذلك تانزانيا في عام 1994، والقبض على ديكتاتور تشيلي السابق بينوشيه في لندن عام 1998! وعام 2002 شهد افتتاح المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وهي محكمة جنائية دولية دائمة.

لقد كانت هذه المحاكمات النسخة الدنيوية من محكمة الآخرة، التي كانت الأمل الوحيد لضحايا الحروب، والجرائم المرتكبة من قبل العسكريين والمدنيين بحق شعوبهم.

صحيح أن محاكمة كوبلنز تجري في ألمانيا بعيداً عن أرض سوريا التي حضنت جثث الضحايا، لكنني أتمنى أن أعيش أنا وملايين السوريين، اللحظة التي يحاكم فيها رأس النظام وجلادوه على أرض دمشق، أو حمص، أو حلب، أو درعا أو دير الزور.. ليعم العدل مجدداً، ولتكون رسالة لجميع المجرمين، سواء جنرالات أو رؤساء دول، أو ديكتاتوريين، بأنه لا مفرّ من العقاب، وبأنه لا أحد فوق القانون، لأن الإنسانية تستحق ذلك!

Image by Sang Hyun Cho from Pixabay