Asmaa Yousuf
12. أكتوبر 2019

التونسية محرزية العبيدي.. توليفة التدين والنسوية والسياسة!

امرأة تعرف جيدًا كيف تجبر قاعة تضم أكثر من ألف شخص أن تصفق لها، لديها القدرة على إرسال رسالة مفادها أنها يمكن أن تكون هناك من أجل المسلمات والمسلمين، تغلفها رسالة أخرى لغير المسلمين بل ولغير المتدينين من كل العالم بأنها تنتمي إلى الفضاء الإنساني الأرحب، لا تعتمد في جذب الأنظار إليها على مظلومية أو قصة مؤلمة ولا تبدأ باستدعاء قصص نجاح كانت هي البطلة فيها، كل ما تفعله عرض أفكارها بطريقة امرأة تمرست في السياسية، محترفة تعرف كيف تجيب على الأسئلة فتدور معها وحولها، لا تهاجم منتقديها لإظهار كم هي منفتحة، متعلمة وقارئة جيدة وذكية، ذلك الذكاء الذي إن استخدم بطريقة ديماغوجية أصبح مخيفًا.. ما إن انتهت الجلسة الرئيسية لأحد المؤتمرات التي تجمع ممثلي الأديان من كل العالم حتى تزاحم الصحافيون حول الباب الذي اتجهت إليه، الجميع يريد فقط أن يسمع منها، سيدات أفريقيات وأوروبيات مسلمات يذهبن إليها فقط ليلتقطن السلفي معها ويحتضنها بشيء من الإمتنان لا أدري سببه!

محرزية العبيدي معيزة، سياسية تونسية تنتمي لحركة النهضة ذات التوجه الإسلامي، ولدت في ديسمبر 1963، بولاية نابل في تونس، درست الأدب الانجليزي كما أنها كانت تعمل كمترجمة، أُنتُخِبَت كنائبة أولى لرئيس المجلس الوطني التأسيسي عام 2011، كما فازت بمقعد في مجلس النواب عن حزب النهضة عام 2014، بالإضافة لعضويتها بعدد من المنظمات الدولية ذات الطابع الديني كأديان من أجل السلام والمجلس الأوروبي للزعماء الدينيين.

قال لي الأستاذ عبد الفتاح مورو في وقت سابق بأنه مع “المساواة في الإرث”، بل ساق لي من الأسس الفقهية ما يدعم موقفه، فهل هذا موقف حركة النهضة بشكل عام من قانون المساواة في الإرث؟

هو طرح مقدم من الرئيس السابق الباجي قائد السبسي (الله يرحمه)، ورددنا عليه نحن برسالة مطولة مفادها أننا نحتاج إلى مجلة لتنظيم الحريات الفردية والحقوق، لكن قلنا له بخصوص قانون مساواة المرأة بالرجل في الميراث لابد من طرح الأمر لنقاش أوسع بين التونسيين بكل فئاتهم رجال ونساء ورجال الدين والقانونيين الذين يرون بأنه على تونس أن تحافظ على هويتها الإسلامية في التشريع، وأولئك الذين يرون بأن تونس دولة مدنية عليها أن تتخلص من القوانين ذات الصبغة الدينية، ونحن كنهضة منطقنا وسط، ونرى أن بورقيبة عندما طور وضعية المرأة احترم مسألة المواريث مع وجود نص يحمي المرأة متمثلًا في قانون تونسي يقضي بأنه إذا كانت الفتيات وارثات وحدهن يحجبن عمومتهن وأبناء عمومتهن، كما أننا دولة منفتحة ولا يوجد إسلاميًا ما يمنع أن تمنح العائلة ابنتها أكثر، وبالتالي لماذا لا يبقى القانون الحالي كما هو مع إعطاء الحق لمن يريد المساواة في أن يفعل؟

ولماذا لا يُسَن قانون للمساواة مع إعطاء الحق لمن لا يريد أن يساوي في أن يفعل؟

لأن ذلك ما يريده أغلبية التونسيين (أن يبقى القانون الحالي كما هو مع ضمان الحق لمن يريد المساواة في أن يفعل)، فقد عبروا عن رغبتهم في المحافظة على القانون ولكنهم في نفس الوقت لم يعارضوا كل من أراد المساواة في الإرث. على كل حال القانون ما زال محل دراسة، ويتم الآن الاستماع للمجتمع المدني بكل أطيافه، وعبرنا عن رأينا بأن يبقى القانون كما هو مع التأكيد على حق من يريد المساواة في أن يفعل لأن هذا هو الوضع الحالي بالفعل.

وأنتِ كإمرأة وبشكل خاص كيف ترين هذا الأمر؟

أنا أرى أنه لا بد من مواصلة النقاش حول مسألة المساواة، لكن في الحقيقة ما أراه شخصيًا أنه يجب أن نجذب الأنظار إلى مظلمة أخرى كبيرة، بالنسبة لي لابد من إعطائها الأولوية، ففي أريافنا ومدننا رجال العائلات الغنية من مالكي الأراضي والعقارات يحرمون السيدات من حقهن في الإرث من الأساس، ويقولون لهن دعونا نتصرف كأخوة ونعطيكي مبلغ من المال وفقط! هذا الوضع يجب أن يتغير قبل كل شيء، ونرفض هذا الظلم ونفتح الباب للنقاش فلا وجود لأية تابوهات بتونس.

وفي حال جاءت نتائج النقاش بما يخالف ما يراه النهضة؟

هذه هي الديمقراطية سيدتي

تُستخدّم النساء أحيانًا من قبل بعض النظم الديكتاتورية ومن قبل بعض الأحزاب لتبييض صفحتها أمام العالم، ألا تخشين ذلك؟

أنا لا أساوم على وجود المرأة في الفضاء العام، ولا أقبل أن أكون زينة، واسألي كل من عرفني رئيسة للبرلمان، كما أنني لم أطالب بأي تمييز إيجابي من أحد، فقط أتصرف بموجب قناعاتي وإمكاناتي وأقبل النقد، وعلينا نحن النساء أن نتجاوز انتماءاتنا الفكرية والسياسية والعقائدية لندعم التضامن فيما بيننا، وألا نقبل أن تهان امرأة أخرى أيا ما كان انتمائها وهذا هو الحال على سبيل المثال بيني وبين الزميلة بشرى بلحاج حميدة، وهي قيادية علمانية تونسية، ذات مرة توقفت عن مشاهدة إحدى المسرحيات التي تصورني بشكل سلبي، وسجلت اعتراضها وخرجت من العرض، وأنا أفعل نفس الشيء لا أسمح بأن تهان أي امرأة أمامي.

كسياسية لماذا الانضمام لمنظمات دولية ذات طابع ديني كأديان من أجل السلام؟ وهل زيادة عدد اجتماعات القادة الدينيين في العالم مؤشر لمحاولات سيطرة الدين على السياسة مرة أخرى؟

أنا متدينة لأنني من عائلة متدينة، أبي رحمه الله كان زيتوني وسطي ومتنور الفكر، وجودي في أديان من أجل السلام هو محاولة للمشاركة في التخفيف من حدة الخلافات بين الأديان، لأنه عادة عندما يعاني العالم من صراعات سياسية أو اقتصادية يتم إما استغلال الدين أو أن يصدر ليطغى على العوامل الحقيقية للصراع أو الخلاف. وبالتالي وجود وساطة بين قادة دينيين يمكن أن يخفف حدة الأمر. أما فيما يتعلق بمسألة عودة الدين للمشهد العام، فهذا هو ديدن الحياة، دائمًا هناك موجات تدين يعقبها موجات بعد عن الدين ليعقبها موجات تدين أخرى وهكذا، هل تعرفين لماذا؟ لأنه كلما تغول جانب على الآخر، عاد الجانب الآخر للظهور بقوة، فإذا تغول الدين وسيطر جانبه الجافي المتمركز حول الحلال والحرام والممنوع، تأتي موجة ضد التدين بشكل عام، وكلما تغول البعد عن الدين ليصل إلى حد ازدراء الدين والتحلل من القيم إلا ورجعت موجات التدين مرة أخرى وهكذا..

Photo: Asmaa Yousuf