صحيفة “بيلد” تبحث عن عزاء لتشبع فيه لطماً!
2. أغسطس 2019

صحيفة “بيلد” تبحث عن عزاء لتشبع فيه لطماً!

رجل يديه ملطختين بالدماء، رافعاً قطعة سلاح أبيض، تشبه إلى حد قريب سيف الساموراي، محاولا توجيه ضربة أخرى لضحيته! هكذا أظهرت صحيفة “بيلد” الألمانية الواسعة الانتشار المتهم بجريمة القتل التي وقعت في مدينة شتوتغارت أول أمس الأربعاء، وشكّلت صدمة لدى الرأي العام في البلاد.

فوق الصورة كتبت الصحيفة “القاتل جاء في 2015 كلاجئ إلينا”، هذه الصورة سيشاهدها اليوم ملايين الألمان، خاصة أن الصحيفة واسعة الانتشار، وتعد من كبريات الصحف اليومية في ألمانيا، وتنتشر مراكز بيعها في كل أحياء المدن، ومحطات القطارات، ومحال البيع الصغيرة المتوزعة في المدن الكبرى وغيرها تقريباً.. ما يعني أن هذه الصحيفة ورغم الانتقادات التي تُوجه إليها ولخطها التحريري، تلقى رواجاً كبيراً في أوساط الألمان، وتشير الإحصاءات أنها حققت عام 2018 أعلى نسبة قراءة للفئات العمرية بين 50 و59 عاماً.

هذا يعني أن الصحيفة شئنا أم أبينا تُسهم بشكل نسبي في صناعة الرأي العام في البلاد، وانتشار مثل هذه الصورة، مع هذا العنوان بغض النظر عن احتمالية أن يكون الهدف زيادة عدد القراء، وجذبهم لشراء الصحيفة، لكن الصورة والعنوان المرافق يخدمان من وجهة نظري الحملة الدعائية التي يروجها اليمين المتطرف، والنازيون الجدد، لتشويه صورة القادم الجديد، ودفع الشعب لتكوين صورة سلبية عن المهاجرين، وتقدم خدمة جليلة لحزب AFD وأعضاؤه، خاصة ونحن على أبواب الانتخابات المحلية بولاية ساكسونيا التي ينافس فيها حزب البديل، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والتي ستجرى في الأول من شهر أيلول/ سبتمبر القادم.

برأيي تشكل الصفحة الأولى لعدد صحيفة بيلد اليوم، ملصق دعائياً يخدم بالدرجة الأولى الاتجاه اليميني في البلاد، والذي لم يعُد يخفى على أحد توسعه، ونيّته بإرتكاب الجرائم.. ومَن مِنّا لم يسمع بالقائمة السوداء التي وضعتها جمعيات يمينية، للأشخاص المناهضين للحركة اليمينية، والمطالبين بمساعدة المهاجرين، وزيادة العمل على ملفهم!

ناهيك عن أن العنوان يحمل في طياته الفصل بين “هم” والتي تعني الآخر، سواء المهاجر الإفريقي، أو اللاجئ من دول الشرق الأوسط، وبين “نحن” وكأن الصحيفة تود القول أن مثل هذه الجرائم لا تنتمي للمجتمع الألماني، وهي نادرة الحدوث فيه، وهي طارئة عليه! مع أن الإحصاءات تظهر أن مرتكبي الجرائم من المهاجرين، أقل من مرتكبيها من الألمان، ناهيك أن عن أن أي حديث عن الفصل بين مكونات المجتمع الألماني، لا يؤتي أُكله وخاصة في العصر الحديث، حيث السمة الأبرز والأجمل للمجتمع الألماني وهي “التنوع”، والتي تستطيع لمسها عبر الكثير من الأدلة والصور.

أي جريمة صغُرت أم كبُرت هي مرفوضة لدى الإنسان العاقل والطبيعي، بغض النظر عن جنسية مرتكبها أو جنسية الضحية، وبغض النظر عن الوضع الاجتماعي لهما، سواء أكان كليهما لاجئ، أو واحد من سكان البلد وآخر لاجئ.. وعلى الصحافة والإعلام الألماني أن تتعامل مع المواضيع الحساسة بمهنية وموضوعية أكثر، لأن معرفة جنسية المجرم لا تزيد ولا تُنقص من بشاعة الجرم الذي ارتكبه.

  • الصورة لغلاف موضوع جريمة شتوتغارت بصحيفة بيلد

Photo: Amal, Berlin!