دار حوار بيني وبين أحد الجيران ببرلين، حول اقتراح العمل الإلزامي للاجئين مقابل 80 سنتاً بالساعة! وقبل أن يجيبني الشخص، رد ابنه الذي في الصف السادس، “لكن الحد الأدنى للأجور هو 13 يورو. هذا ليس عدلاً”. بعدها سألت الابن (محمد) أين ترى نفسك بعد 10 سنوات؟ فأجاب “محققاً في الشرطة”.
هذه الدردشة القصيرة مع محمد، جعلتني اتسأل عن الغاية من إلزام اللاجئين مقابل 80 سنتاً، والجدوى من هذا القرار الذي بدأ تطبيقه بمنطقة ساله أورلا في تورينغين. وهل يمكن اعتباراه تحفيزاً للاندماج في سوق العمل، أم أنه استغلال؟ إذ اعتبره الكثيرون من الناشطين استغلالاً للاجئين مقابل مبالغ زهيدة.
وحلم محمد بأن يُصبح محققاً هو كسر للصورة النمطية التي يسوّق لها الشعبويون وأشباههم من الأحزاب الأخرى عن اللاجئين وطالبي اللجوء، بأنهم لا يريدون العمل، بل هدفهم الحصول على المساعدات الاجتماعية فقط.
في السياق ذاته هل لجأ المروّجون لإلزام اللاجئين بالعمل أو التعرض لعقوبة خصم مبالغ من المساعدات الاجتماعية للحلول البسيطة، بدلاً من تذليل الصعوبات أمام اللاجئين لدخول سوق العمل الحقيقية، حيث سيحصلون على مستحقات تناسب عملهم، وكذلك على الضمان الاجتماعي؟ لأنه برأيي من واجب الحكومات المحلية أو الاتحادية أن تزيل هذه التحديات من أمام اللاجئين. كالتمييز في أماكن العمل ومكافحته. ثانياً اللغة، من خلال تأمين دورات لغة مدفوعة لمستويات تسمح لهم بدخول سوق العمل. ثالثاً تأمين تدريب مهني يناسب مهاراتهم التي اكتسبوها في بلدانهم الأم. وإعطاء تصاريح عمل لهم. لأنه من المثير للسخرية، أن تجبر حتى أولئك الذين ليس لديهم تصاريح عمل، للعمل مقابل 80 سنت في الساعة. وفي ذات الوقت غير مسموح لهم دخول دورات الاندماج أو الحصول على مقعد في التدريب المهني.
ولو فرضنا أن كل الحلول السابقة لم تجد نفعاً، هل فكّر أصحاب فكرة إلزام اللاجئين بالعمل، بالمخاطر النفسية المترتبة على ذلك، والتي قد يتعرض لها اللاجئ!؟ هل وضعوا في حسبانهم الإحباط الذي قد تتسبب به هذه الفكرة للاجئين؟ أو مشاعر الذل التي سيشعرون بهم جراء العمل في مهن لا يرونها هم مناسبة لهم مقابل مبالغ زهيدة؟ هل خطر في بالهم أن إلزام اللاجئين بالعمل أو العقوبات لمن يرفض ذلك، سيثير مشاعر الاستياء والرفض من قبل اللاجئين للمجتمع الذي يسعون للاندماج به؟
في نهاية المطاف فإن الاختبار الحقيقي لمجتمع عادل وشامل لا يكمن في الإكراه أو العقاب، بل في قدرتنا على الاعتراف بالكرامة والحقوق المتأصلة لكل إنسان ودعمها، بما في ذلك اللاجئين الباحثين عن ملاذ آمن لهم. ومن الضروري أن يجتمع صناع السياسات والمجتمع المدني وعامة الناس لصياغة طريق نحو الاندماج المتجذّر في التضامن والعدالة والاحترام المتبادل. من خلال مراجعة برامج الاندماج القائمة، ومدى ملائمتها لاحتياجات اللاجئين ورغباتهم. ومن خلال تسهيل الوصول إلى فرص تعليم وتعلم اللغة، والسكن ، والعمل الحقيقي مقابل ما يحفظ كرامتهم ويكافئ جهدهم. وأي شيء أقل من ذلك سيكون بمثابة خيانة لإنسانيتنا المشتركة.
المقال مترجم للألماني تجدونه على الرابط التالي: