لطالما اقترنت كلمة “ديار” بالاغتراب، فهي تعلن نفسها مرادفاً مثقلاً بالنوستالجيا لكلمة الوطن. وحين أعلن كلّ من هنادي الشواف وأسامة حوراني اختيار كلمة “ديار” لتكون اسماً لمشروعهما. استحضرت إلى مخيلتنا وقلوبنا أيضاً الديار بصورتها السعيدة.
فمشروع “ديار” أو Diarfest يستحضر أجواء الفرح في بلادنا ويعيد ترتيب إيقاع الموسيقى العربية في دواخلنا التي أنهكتها الغربة ومصاعب اللجوء. وهو مساحة للقاء أناس يحبّون الموسيقى والرقص وفرصة للتواصل والاجتماع وبناء شبكة علاقات اجتماعية.
ديار… من الفن إلى الفن!
ربّما الصدفة وربّما الأصدقاء المشتركون كانا السبب في لقاء الفنانة التشكيلية هنادي الشواف وأسامة حوراني الذي يعمل في مجال الديزاين. ورغم أنهما كانا جيران، لكنّهما لم يلتقيا إلا بعد خمس سنوات من جيرتهما. فـ ستديو هنادي للوشم والفن يقع بجوار المكتب الذي كان أسامة يعمل فيه.
اتفق كلّ منهما بعد عدّة لقاءات على أن هناك شيئاً ما ناقص في هامبورغ. وبدل أن ينتقدا قلة النشاطات التي تجمع السوريين والعرب. قال أسامة “وقبل أن ننتقد أيضاً غيرنا علينا أن نجرّب فربما كان تأسيس عمل في هذا المجال صعب. وربما يكون أسهل مما نتصور أو نسمع. ومن هنا بدأت فكرة أن نؤسس لنشاط ما يجمعنا لنقضي وقتاً ممتعاً”.
واكتشفت هنادي المتعة المرافقة للعمل ” بدأنا نخطط لهذه الحفلة الصغيرة واكتشفنا مدى محبتنا للعمل والجهد الذي بذلناه لإنجازه. ولأنه لم يكن لدينا مكان اخترنا موعداً واتفقنا على تاريخ أول نشاط سننظمه معاً. دون أن نعرف نوع ذلك النشاط حتى”. وكانت الحفلة ناجحة بكل المقاييس وفاق عدد الحضور توقعاتهما رغم أن الدعوات اقتصرت على مراسلة الأصدقاء الذين دعوا بدورهم معارفهم أيضاً. وفي ذلك الوقت لم يكن للمشروع اسم فقد كان المخطط أن تكون حفلة واحدة فقط.
تأسيس المشروع… جهد وتعاون
ولأن ردة فعل الناس كانت إيجابية، وفقاً لهنادي “شجعتنا أن نأخذ الموضوع بشكل جدي”. أصبح مشروع “ديار” واضحاً سواء من حيث هدفه أو الخطوات التي عليهما خوضها لإنجازه. يقول أسامة: “وجدنا أنفسنا بعفوية نتجه نحو الاحتفالات التي تشبه ما كان يحدث في بلادنا. وأضفنا لمساتنا لتتناسب مع الحياة هنا”. وتحدّثت هنادي عن تبلور الفكرة “في النهاية بدأ يصبح مشروعاً اجتماعياً استطاع أن يجمعنا. وأصبح موعداً لنرى فيه أشخاصاً لا يمكننا اللقاء بهم دائماً بحكم العمل الذي يستهلك أيامنا. كما أننا ندعو أصدقاء ألمان أيضاً. وهي فرصة لنجمعهم في مكان واحد وهذا لم يحدث من قبل”.
العمل بدون تمويل
بعد سنة ونصف من العمل أصبح المشروع عملاً حقيقياً. رغم أنهما يعملان دون تمويل خارجي استطاعا عمل ست حفلات ناجحة. ويعتبر أسامة أن للعمل بدون تمويل سلبيات وإيجابيات. “فنحن مثلاً نعمل بشكل عفوي وهناك قرارات اتخذناها في اللحظات الأخيرة قبل الحفلات، لكنّها منحت الحفلة خصوصية. وحتى يستمر المشروع نحن بصراحة نحتاج إلى حرية وأن نكون أصحاب قرار ونحتاج إلى العفوية. ومن ناحية أخرى كان هناك دائماً عوائق مادية في تنظيمنا للحفلات، سواء من حيث اختيار المشاركين أو بالترتيبات التي نقوم بها”.
الاستمرار بدعم من الأصدقاء
بينما ترى هنادي أن الأمر يستحق “تنطبق علينا عبارة التعلم من خلال العمل. فنحن نتعلّم في كل مرة شيئاً جديداً وعلاقاتنا تتوسع بالتدريج والناس بدأت تهتم بعملنا. وهناك أناس تساعدنا دون مقابل لأنهم يؤمنون بما نقوم به. وهذا ما يحمي المشروع ويجعله يقف على قدميه بدون دعم مادي من أي جهة سواء كانت ثقافية أو غيرها. دعم الأصدقاء لا يقدّر بثمن، وشعورنا بالذنب تجاههم هو ما يدفعنا للبحث عن تمويل لندعم أنفسنا وندعمهم أيضاً”.
اختيار المكان
ورغم أن هناك صعوبات لكنها لا تتعلق بالهوية أو الثقافة وإنما تتعلق بالبيروقراطية واختيار تاريخ مناسب والمصاريف. وبالنسبة لأسامة “ما يلعب دوراً مهماً هي الجهات التي نتواصل معها، فمن نخاطبه نعرف جيداً أنه منفتح ويناسب مشروعنا. وأصبح لدينا علاقات سمحت لنا أن نخطط للمرحلة القادمة”. في حين تجد هنادي أنهما قدّما مشروعاً جيداً ومدروساً وكان سبباً في جذب الأشخاص المناسبين والداعمين. “نحن محظوظان لأننا في مدينة مثل هامبورغ من حيث الانفتاح”.
ما يميز “ديار” من وجهة نظرهما هو أنهما يقدمان بعداً ثالثاً من خلال عملهما كفنانين. “ففي كل مرة يكون هناك عرض فني بالإضافة إلى الموسيقا والطعام والشراب”.
الجهات الداعمة والمؤثرة
ولأنهما يتعاملان مع جهات مهتمة بالمشروع وتقدره. وجدا داعمين حقيقيين لهما ولما يقدمانه في حفلاتهما. “حقيقة نحن سنبقى شاكرين دائماً ونشعر بالامتنان تجاه جهتين في هامبورغ. وهما “MS Stubnitz وKnusthamburg اللذان دعما مشروعنا بلا حدود على المستوى الشخصي ودخلوا معنا في مشاريع لم تكن رابحة في أغلب الأحيان. وآمنا بقيمة المشروع وضرورة حضوره. رغم أن عملهم يتطلّب منهم التفكير في الجانب الربحي”. وتحدّث أسامة عن أن لديهم عدة مواعيد معهما وتلك المشاريع تتراوح بين كبيرة ومتوسطة. وأنهم “أصبحوا أصدقاء حقيقيين احترموا ثقافتنا وفهموها. وتعاملوا بشراكة حقيقية معنا”.
ما الذي تغيّر في ظلّ الظروف الراهنة؟
ولا يخفى على أحد ما آل إليه الأمر بعد الأحداث الأخيرة في فلسطين وما يحدث أيضاً هنا في ألمانيا في مواجهة اليمين المتطرّف. وهذا ما وضع هنادي وأسامة أمام سؤال واقعي يتشارك به كلّ من يعمل في المجال نفسه. ويجد أسامة أن “الاحتقان عال عند كلا الطرفين ونحن نتساءل كيف يمكننا أن نستمر في هذا المشروع؟ هل يجب أن تتوقف هذه المشاريع؟ وإذا استمرت فكيف؟”. لكنهما منذ البداية اتجها إلى الجهات التي تمتلك رؤية واضحة تجاه عملهما. وما دعم المشروع أيضاً “هو التريند العربي الذي يهتمّ به البعض ويرغب آخرون باستثماره معنا. خاصة وأنه في إطاره الواسع ليس مشروعاً ربحياً بعد”.
والأكيد وفق ما قاله أسامة أن طريقة تفكيرهما تغيرت في ظلّ ما يحدث. “تغيّر الكثير لكن الشيء الأساسي في مشروعنا هو أننا اكتشفنا أنه مشروع سياسي في صلبه. حتى لو لم نعلن التزامنا بقضايانا، فنحن لم ننفصل عمّا يحدث هناك في بلادنا أو عن واقعنا هنا. وكذلك الضيوف والموسيقى وحتى الحضور يعبرون عن مواقفنا”.
للمشروع عدّة أهداف!
ورغم أن الحفلات التي تنظّم هدفها الترفيه إلا أن هناك أهدافاً أخرى لهذا المشروع. فهو يعتمد على فكرة الاندماج. و “من ناحية أخرى فيه رسالة مبطنة لهويتنا وثقافتنا وكسر الصورة النمطية التي نوصم بها عادة. حيث نحاول بطريقتنا أن نعيد رسم صورتنا سواء السورية أو العربية وكيف نستطيع أن نكون المرآة التي تعكس جمال تلك الأمكنة”.
“فنحن جزء من المجتمع ولا نريد أن نشوه صورته، لكننا نحاول أن نظهر إنسانيتنا. من خلال التمسك بأهم أهداف المشروع وهو “الأنسنة” وترسيخ فكرة أننا بشر منا من هو سيئ ومنا من هو جيد. ومنا من يحب الرقص أو قراءة كتاب وغيرها من النشاطات العادية التي يقوم بها الناس هنا. وأن ظروفنا ومشاكلنا هي التي أجبرتنا على اختيار طريق اللجوء الخطرة”.
موجة التريند العربي
وفي هذه الفترة الراهنة والمفصلية ركّزا على موجة التريند العربي التي يحاول الكثير ركوبها. “فالاهتمام بالموسيقى العربية والأكل العربي والثقافة والأدب العربي واضح تماماً ليس في هامبورغ فحسب، بل في ألمانيا وأوروبا أيضاً”. لكنّ هناك سوء استخدام لها كما يقول أسامة “أريد أن أؤكد أنه ليس لدينا مشكلة مع من يعمل على نشر الثقافة العربية وهذا يسعدنا. لكن على من يعمل على موسيقانا يجب أن يتعمّق فيها ليفهمها. سواء من حيث جمالياتها أو من حيث مشاكلها، لا أن يختار ما هو سطحي وتجاري”.
فالمشروع بعد سنة ونص أصبح مشروع وجود لهما هنا. وهذا التفكير ينطبق على كثير ممن يعملون في هذا المجال.