يعد الصراع الحالي في الشرق الأوسط، وخاصة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، موضوعًا حساسًا في ألمانيا. فألمانيا هي موطن لعدد كبير من السكان اليهود والمسلمين. وغالبًا ما يجد الطلاب من خلفيات مختلفة صعوبة في فهم وتقبل وجهات النظر المختلفة حول هذا الصراع. ومع الأحداث التي تجري حالياً في غزة، صدرت رسالة من مسؤول التعليم في برلين تضمنت توصيات أثارت الكثير من الجدل، حيث تُعطي المدارس الحق بحظر الشعارات والرموز الفلسطينية للحفاظ على السلام المدرسي على حدّ قولها.
كيف يطرح صراع الشرق الأوسط في المدارس؟
عادة تركز التوصيات على أهمية تقديم وجهة نظر شاملة عن الصراع. بحيث يفترض من المدرسين تعليم الطلاب عن التاريخ والسياق السياسي للصراع. بالإضافة إلى وجهات النظر المختلفة للأطراف المعنية. بحيث يسعى المدرسون لتشجيع الطلاب على التفكير النقدي حول المعلومات التي يتلقونها وتطوير فهمهم الخاص للصراع. لكن هذا اختلف عندما بدأ الحديث عمّا يجري في غزة، فالكثير من الطلاب غير راضين عن سلوك الحكومة الألمانية في تعاطيها مع الحراك المؤيد للفلسطينيين على أراضيها، مشيرين إلى ذلك خلال الحصص المدرسية. فكيف يتعامل المدرسون مع الموضوع الحساس للصراع في الشرق الأوسط في الفصل الدراسي؟ هل هناك طرق تدريس أو استراتيجيات محددة تستخدم لتعزيز الفهم والتفكير النقدي بين الطلاب؟ وكيف يتم الحفاظ على التوازن بين عرض الحقائق التاريخية ومناقشة الجوانب المعاصرة للصراع؟
الجميع يتجنب موضوع الشرق الأوسط لتجنب التصعيد!
تقول م.، الطالبة في المدرسة الثانوية من أصول سورية: “نحن قلقون للغاية بشأن كل عمليات الحظر وغسل الدماغ التي تجري في المدرسة”. مشيرة إلى أن “الجميع يتجنب تقريبًا الموضوع لتجنب التصعيد، ولا أعتقد أن هذا صحيح وأريد أن أقول المزيد عنه”. وتقول الطالبة ك، وهي طالبة في المدرسة الثانوية من أصول روسية – أوكرانية: “الناس يفقدون حياتهم! لا أريد أن تكون لدي صداقات تنقطع عندما أحاول أن أوضح للناس أنه من الخطأ قتل المدنيين”. فهل من الضروري العمل على تجنب مثل هذه الخلافات أم ترك المساحة لهم للتعبير عن أنفسهم أكثر وتعليمهم طرق الحوار والانصات لهم ولاحتياجاتهم.
التابوهات قبل الحريات!
يعتبر الكثير من المهاجرين من خلفيات مختلفة أن ما يجري الآن في المدارس الألمانية. هو عملية أدلجة لعقول الشباب وتكريس مفاهيم على الرغم من أن هذا الأمر منوط بالمدرسين. لذا هذا يختلف من مدرسة إلى أخرى. تقول ك: “لقد منحونا مدرسو السياسة والتاريخ المساحة لتمثيل موقفنا بوضوح والتعبير عن آرائنا”. لكن هذا ليس هو الحال في إحدى مدارس نويكولن التي وصل الخلاف ما بين الأستاذ والطالب الذي كان يحمل العلم الفلسطيني إلى الضرب. فهل يجب تعليم الطلاب ما هي التابوهات قبل تعليمهم حرية التعبير عن آرائهم! أليس في هذا الوقت تتبلور شخصية المراهق. أليس من الضروري تشجيع وجهات النظر والسرديات البديلة لتعزيز الفهم الشامل! وهل بهذه الطريقة يعالج النظام التعليمي التحيزات أو الصور النمطية المحتملة التي قد تكون موجودة في تصوير الصراع.
ألمانيا وعقدة الذنب!
قد يكون من الصعب على ألمانيا طرح التاريخ والسياق السياسي للصراع بعيداً عن عقدة الذنب تجاه ماضيها! هذا ما لمسه الكثير من المتابعين لما يجري في الآونة الأخيرة منتقدين سلوك الحكومة. أليس من الضروري التعامل بطريقة منصفة ومتساوية مع آلام الناس وقتل الأبرياء من جميع الأطراف؟ أليس من حق من يرى الظلم أن يخرج إلى الشارع وان يهتف ضده؟ تقول الطالبة ك: “يتم فرض هذه المحرمات بشكل رئيسي من قبل الحكومة. حتى أنه لا يُسمح لك بالهتاف فلسطين حرة، ولا يُسمح لك بارتداء الكوفية، وأنه يتم تصنيفك على الفور كمعادٍ للسامية. وهذا غير مفهوم بالنسبة لي! لكن بعض الناس ومنهم بعض المعلمين أهانوني مع أصدقائي لأننا أصدرنا تصريحات مؤيدة للفلسطينيين”. وتذكر الطالبة م: “شعرت أنه عندما ندلي بتصريحات مؤيدة للفلسطينيين، غالبًا ما لا يتم تقديمها على أنها صحيحة. يحاول الناس إخراجنا من آرائنا”.
ما هو دور الاعلام الرسمي والبديل في طرح الصراع؟
لكن ماهي القنوات أو الوسائل التي يحصل فيها الطالب على المعلومة، هل يتم التدقيق والتأكد من أنها حقيقة ولا تحمل أي أخبار زائفة. أليس واضحاً ان العديد من وسائل الاعلام أصبحت بشكل واضح تقف بصف أحد أطراف الصراع. وبالتالي لا يمكن نفي حدوث عمليات تضليل للمشاهد بما في ذلك المراهقين؟ حتى المعلومات التي تقدمها جهات الإعلام الألمانية وطريقة رؤيتها أن المظلومية هي فقط من نصيب فئة دون غيرها، لا تتناسب مع التداعيات الإنسانية للصراع.
قد نتفق او نختلف على الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة طرحها للصراع، لكنها على الأقل تفتح الأبواب للجميع لتلقي وعرض ما لديهم، على الرغم من أن بعض ملّاكها لا يخفون تلاعبهم وحجبهم للكثير مما يُنشر، لكن يبقى أيضاً الكثير. تحصل الطالبة ك. على معلوماتها من “انستغرام، يوتيوب، تيك توك، محادثات خاصة” بينما الطالبة م. تحصل عليها: “غالبًا عبر TikTok أو عندما يشاهد والدي قناة الجزيرة، لكنني غالبًا ما أتوجه أيضًا إلى وسائل الإعلام الألمانية ذات الآراء المحايدة أو المؤيدة لفلسطين”.
لا توجد حقيقة واحدة!
من المجدي حقاً توفير إطار شامل لاستكشاف كيفية دمج الصراع في الشرق الأوسط بالمشهد التعليمي في ألمانيا بعيداً عن الإحساس بالذنب الذي كُرس في المناهج الألمانية. وتجنب المدارس التحيز في شرحها للصراع، من أجل مساعدة الطلاب على تطوير فهم موضوعي للقضية. ويمكن للمدارس القيام بذلك من خلال تقديم وجهات نظر متنوعة حول الموضوع، وعدم الترويج لوجهة نظر واحدة على أنها هي الحقيقة الوحيدة.