أصبحت عزلة الأطفال ظاهرة سلوكية صريحة تعاني منها غالبية العائلات السورية والعربية المقيمة في بلاد المهجر ولاسيما ألمانيا، فالطفل لم يعد يخرج للعب في الحديقة مع أصدقائه أو التفاعل مع جيرانه أو أقاربه مفضلاً البقاء في البيت ومتخذاً الإنترنت أو الكمبيوتر خير جليس وونيس! فالعالم الرقمي نقل الطفل من عالم التفاعل والحس والحركة إلى عالم الخيال. والمحصلة هي الخمول والكسل والترهل الجسدي. هذه المنعكسات تتطلب من الأهل والمدرسة التدخل السريع لتطبيق اجراءات فاعلة تنتشل الأبناء من سطوة جماح العالم الرقمي.
الجليس والونيس
السبب الرئيسي لعدم لعب الأطفال خارجاً هو دخول العالم الرقمي المغري حياتهم، والسطوة والتأثير النفسي الكبيرين التي تحدثه ألعاب الكمبيوتر على سلوكيات الأطفال بحيث تجرهم إلى مرحلة الإدمان! هذا ما أكدته المربية والمدرّسة لينا المغربل قائلة: “أصبح الإنترنت جليس وونيس للطفل يصاحبه لساعات طويلة ليستبدل أصدقاءه ورفاقه بعالم خيالي عوضا ًعن التفاعل واللعب والمرح معهم! فبالنسبة للطفل يختلف مع رفاقه في الآراء والأفكار وقد يتشاجر معهم في بعض الأحيان، أما وسائل الاتصال الرقمية فهي تقدم له كل ما يصبو إليه من المرح والسرور وتلبي رغباته وميوله”.
سطوة العالم الافتراضي
السبب الأساسي في عزل الأطفال عن عالمهم الخارجي هي سيطرة ألعاب الكمبيوتر وبرامج الإنترنيت والتلفاز على عقولهم، بحيث تجد كل طفل جالس في غرفته يلعب بألعاب الكمبيوتر ولا يحصل تواصل مباشر بين أصدقائه، فهنالك مشكلة ترك العالم الحقيقي والنزوح للعالم الافتراضي لما تقدمه الشاشة الصغيرة من برامج تشد الأطفال وتوصلهم إلى مرحلة الإدمان، لما فيها من وسائل تشويق ومؤثرات بصرية، هذا ما أشارت إليه المغربل بشعور الأولاد بالملل والسأم أثناء اللعب في الحديقة، فبالنسبة لهم هي حياة روتينية تتكرر كل يوم باستمرار وليس فيها تشويق وإثارة!
خلق بيئة اجتماعية
يجب على الأهل خلق بيئة اجتماعية لأولادهم وتعويدهم على عادات التواصل واللعب مع الآخرين، ليتسنى لهم الخروج من العزلة التي تسببها العادات السيئة الناجمة عن مشاهدة الألعاب الرقمية أو البرامج التلفزيونية، هذا ما أكده مؤيد الصقر بأن عدم تحديد الأهل ساعات للعب على الكمبيوتر أو البلاي ستيشن أو مشاهدة التلفاز، هوالسبب الرئيسي لبقاء الأبناء بالمنزل، فهناك عادة سيئة يتبعها أغلب الأهالي بأن يتركوا أولادهم ساعات طويلة منغمسين بعالم التشويق والإثارة التي تقدمها ألعاب الإنترنت أو البرامج التلفزيونية.
ونوّه الصقر قائلاً: “لدي فتاة تبلغ تسعة أعوام تقضي جل وقتها باللعب في الحديقة أو مع صديقاتها، فقد عودتها على أن مشاهدة البرامج التلفزيونية مقتصرة فقط على ساعتين يوميًا، أما باقي الساعات فتقضيها بالرسم أو اللعب خارجاً، أما ابني ذو الأربعة أعوام فقد حددت له ساعتين للعب على الجوال حيث يطفئ الهاتف بشكل تلقائي مجرد انقضاء المدة المحددة، فيلجأ ولدي للعب والمرح معنا أو اللعب بالمكعبات، ما أريد قوله أن الآباء والأمهات يجب أن يملكوا ناصية القرار في ارسال أبنائهم خارج البيت للعب مع أصدقائهم، وعدم ترك الأولاد عرضة لإغراءات العالم الرقمي”.
انشغال الأهل
انشغال الأهل بالعمل وعدم تخصيص وقت كافي لأطفالهم هو من أبرز المشكلات التي تجعل الأطفال يبقون جالسين في البيت، هذا ما أوضحه الأب طلال مخللاتي قائلاً: “بسبب استيائي من الآثار السلبية الناجمة عن الإنترنت، قمت بحجبه لمدة يوم كامل دون علم أولادي الثلاثة بذلك، فاضطر الجميع للتحدث والنقاش والتسلية واللعب مع بعضهم البعض، حيث كان هناك تفاعل كبير بين أفراد الأسرة، ماأود قوله بايجاز أن الأهل يستطيعون أن يقللوا من ادمان أطفالهم على الإنترنت من خلال وضع قواعد وإيجاد طرق سهلة وبسيطة تحقق لهم غايتهم المنشودة وتعطي نتائج ملموسة”.
التخوف من الاختلاط
يرى الباحث النفسي في سلوكيات الطفل غالب العلي أن السبب الرئيسي لعزلة الأطفال هو تخوّف الأهالي العرب من اختلاط أبنائهم مع أشخاص مختلفين ثقافيا ًودينياً، فقد يتعلمون عادات سيئة! لذلك يفضل بعض الآباء ابقاء أولادهم في البيت، عوضا ًعن تركهم للاحتكاك ببيئتهم الجديدة.
الحاجة إلى الاجتماع
ويضيف العلي: “التربية المنزلية لا تساهم في تعزيز التفاعل والاحتكاك مع الغير! بل تفرض على الطفل عدم الاختلاط واللا مبالاة تجاه الآخرين! بحيث يراقب الصبي أو الفتاة أمهما كونها لا تختلط مع جيرانها أو أقاربها وليس لديها صديقات، ويكبرالصبي أو الفتاة ويصبح التقوقع عادة سلوكية صريحة لديهما! ولتنمو معهما الضغوطات الحياتية دون أن يجدا أصدقاء يشكوان لهم همومهما أويعبران عن مشاكلهما، فيصبحان كتومين ولتظهرلديهما الأمراض النفسية دون وجود علاج حقيقي ناجع”.
ويختم العلي حديثه: “يجب على الأهل أن يعوّدوا أبناءهم على الخروج من المنازل واللعب والاحتكاك مع الأصدقاء والتواصل مع الجيران وزيارة الأقارب، ولا بد أيضاً من اصطحابهم إلى الحفلات التي يدعون إليها لتترسخ لدى أطفالهم روح التفاعل وتتعمق لديهم أواصر التواصل، بالإضافة إلى المشاركة في تنظيم رحلات ونزهات مدرسية مع أولياء الأمور وأبنائهم، كي تعزز في نفوسهم روح المعرفة. ومن المهم جدا ً تسجيلهم في أندية ترفيهية أو رياضية، عندها نكون قد حققنا ما نصبوا إليه لأطفالنا من مرح وتسلية وتفاعل واندماج في المجتمع”.
- إعداد وتقرير وتصوير: عدنان كدم