فيلم “عدنان” لـ عبد الله القصير.. تناول ساخر للعنصرية أمسية لعبد الله القصير في ملتقى أمارجي Foto: Ray Alqaseer
27. يونيو 2023

فيلم “عدنان” لـ عبد الله القصير.. تناول ساخر للعنصرية

لم يكن يوماً عادياً كغيره ففي ملتقى أمارجي مرّة أخرى عشنا يوماً استثنائياً. بضيوفه القادمين وبرواده الذين اعتادوا أن يكون ذلك الملتقى محطّ أنظارهم كلّما أعلن عن أمسية ثقافية. فما بالنا حين تكون الأمسية مزيجاً من قراءة نصوص أدبية وحضور فيلم سوري للكاتب والمخرج عبد الله القصير الذي زار هامبورغ ضمن جولته لعرض فيلمه القصير “عدنان” بدعوة من عامر سابا مؤسّس ملتقى أمارجي. ولم تنتهِ الأمسية كعادتها بالوداع بعد نقاش مستفيض عن الفيلم والنصوص، بل امتدّت برفقة العود وأصوات من حضروا لتعيد لنا دفئاً نفتقده جميعاً.

عن النزوح والذكرات

بدأ عبد الله القصير أمسيته بقراءة نصّي “النزوح الأول” و”تسجيل صوتي إلى Lou Ottens”.  وأمام هذين النصين اللذين كوّنا مزيجاً مع الفيلم لما يحمله القادمون إلى هذه البلاد رغماً عنهم. ويكفي أن تثير تفصيلاً صغيراً لتتناثر الذكريات وتطوف واضحةً على وجوه الحضور. وحين سألت القصير عمّا إذا كان اختياره متعمّداً قال:

“أنا أتعمّد كتابة القصص والنصوص التي تمسّ حياتنا بشكل مباشر، لستُ من أنصار تأجيل الكتابة عن راهننا بحجة حاجته للمزيد من الوقت حتى ينضج فينا. هذه القصدية في الكتابة تجعل اختيار النصوص للقراءة يبدو وكأنه مدروسٌ وموافق لما هو حالنا اليوم. سواء كنا في قالب اللجوء أو غيره من القوالب التي وجدنا أنفسنا فيها. بالنهاية يمكن اختصار الحالة بأنها حكايات ضمن سياق متصل ومتسلسل. فبقدر ما يبرز اللجوء كمغامرة محفوفة بالمخاطر يخوضها الإنسان بغية تأجيل موته في مكان ما، بقدر ما تتبدّى الذاكرة بَعده كاجتهاد لمواصلة الحياة في ذلك المكان نفسه، بالتواصل مع الماضي الشخصي، مع وجود إمكانية لإعادة تشكيله”.

فيلم “عدنان”

بوستر فيلم "عدنان"

بوستر فيلم “عدنان”

ولم نكد نصحو من أثر النصوص حتى باغتنا الفيلم القصير “عدنان” ووضعنا أمام مرآة أفكارنا التي نحاول جاهداً طمسها والهروب منها. وبأسلوب ساخر تناول موضوع العنصرية المؤرّق للاجئين والمهاجرين في ألمانيا. واستخدم الفنّ نفسَه ليخرج عن الصورة النمطيّة التي عادة ما يطرحها الإعلام والفن عند تناول هذا الموضوع. ولعلّ المفارقة تكمن أيضاً في اختياره لاسم الفيلم، والذي يعني من يألف المكان ويقيم فيه بشكل دائم، كما شرحه لنا لاحقاً.

تباين في آراء الحضور؟

وبعد الفيلم دار حوار عن العنصرية بدت من خلاله رؤى الحضور مختلفة ومتباينة. وهو ما يراه القصير أمراً طبيعياً جدّاً. “سواء في موضوع العنصرية بشكل عام، أو بالشكل الذي عالجت فيه هذا الموضوع في فيلمي بالتحديد. أعتبر نفسي أنني قدمتُ مقترحاً وطريقةً لمواجهة مرض عالمي واسع الانتشار يدعى: العنصرية. هذا المقترح يمكن أن يُبنى عليه في أعمال أخرى سواء لي أو لغيري من الكتّاب والمخرجين، ويمكن من خلالها متابعة البحث عن حلول عبر طرح الأسئلة وتحريض المتلقي على التفكير بهذه المسألة، فعلى سبيل المثال: لماذا يجد الأجنبي نفسه، في كثير من الأحيان، مطالباً بإثبات استحقاقه صفة الإنسان؟ إلى متى نظلّ تحت وطأة فكرة التفوق العرقي أو الثقافي وغيرها من تصنيفات الأحقيّة والأسبقية لشعوب على أخرى”.

بالعودة إلى ملتقى أمارجي؟

لم يكن عرض فيلم “عدنان” لعبد الله القصير الأوّل في أمارجى، بل سبقته عروض أخرى في عدّة مدن ألمانية وفرنسية أيضاً. ومن وجهة نظر القصير. “تشكّل العروض التي يلتقي فيها صانع العمل مع الجمهور وجهاً لوجه غالباً تجربة مثيرة للطرفين”. والاستماع إلى آراء الحضور مهمّ بالنسبة له. “ترقّب ولادة الأسئلة والانطباعات التي أثرتها عندهم. وهذا ما حدث بالفعل في أمارجي. أحببت كثيراً ما ذكره البعض من تقاطعات بين موضوع الفيلم وبين تجاربهم الحياتية الشخصية. وهذا لا يحدث عادة إلا إذا تمكّن النتاج الفني أو الأدبي من تحرير مساحة للبوح بما هو شخصي عندهم. ومن جانب آخر استمعت إلى وجهات نظر ترقى لمستوى نقدي مهم جداً بالنسبة لي”. “في العموم خرجت من الصالة راضياً لا بل مسروراً، وآمل أن يكون الجمهور قد خرج على ذات الحال”. “بالنسبة للمكان، فقد وصلت إلى أمارجي في هامبورغ بمساعدة برنامج الخرائط، وعندما دخلتُ أجواءه أحالني إلى دمشق دون مساعدة من أي برنامج”.

من الكتابة إلى صناعة الأفلام؟

وأمام تنوّع وسائل التعبير وأشكالها في عصر تعدّدت فيه أوجه التواصل الاجتماعي. يعتبر الكاتب والمخرج القصير أنه قدّم ثلاثة نصوص. “جاء الثالث منها على شكل فيلم. فمثلما يمكن للكاتب أن ينشر نصّه في جريدة أو كتاب، أو يلقيه على منبر أو عبر إحدى الإذاعات يمكنه أيضاً أن يصوّره فيلماً. بناء عليه فإن اختيار النصوص يمكنه أن يضيء على مراحل متعددة من حياتي وربما حياة الكثيرين مثلي، فتشكل الأعمال الثلاثة معاً إما نصًا واحداً فارعاً أو فيلماً طويلاً. هذا الرأي لا يعني أن كل كاتب يمكنه أن يقدم نتاجه كمادة فيلمية، لكنها تبقى إمكانية لمن تخدمه التجربة والإمكانات وربما الظروف. خاصةً الظروف الإنتاجية التي تتطلب دعماً مالياً ليس سهل المنال في معظم الأحيان”.

عبد الله القصير

الكاتب والمخرج عبد الله القصير

الكاتب والمخرج عبد الله القصير

الكاتب والصحفي عبد الله القصير القادم من مدينة السلمية في سوريا كتب في العديد من الصحف والمواقع. وله مجموعة قصصية بعنوان “عارية في العباسيين” ورواية “كوابيس مستعملة”. لم يتوقّف عن إنجاز الأعمال الأدبية والفنية. وقدّم في مدينة Halle Saale بالتعاون مع الأطفال واليافعين ثلاث مسرحيات من تأليفه وإخراج أروى الغندور. أما جديده “فهو فيلم طويل أعمل على كتابته الآن، وأتمنى أن تتاح له ظروف إنتاجية جيدة بحيث يرى النور في الوقت المناسب”.

في النهاية!

تحدّث القصير عن مدى امتنانه للأشخاص الذين عملوا معه في فيلم “عدنان”. وللذين قدموا له الدعم بكل أشكاله حتى تصل أعماله إلى أكبر شريحة ممكنة من المهتمين. ووجّه الشكر لمنصة أمل هامبورغ وأمل برلين على الاهتمام والمواكبة الداعِمة.