Foto: Khalid Al Aboud
21. مايو 2023

الأسد المنبوذ يعود للسيرك!

لا استطيع وصف مشاعري التي لا تختلف عن مشاعر الكثيرين من السوريين الأحرار، الذين نادوا بإسقاط نظام الدكتاتور القمعي، حين أُعلن عن دعوة مجرم الحرب بشار الأسد إلى قمة الجامعة العربية في جدة، التي عُقدت في الـ 19 من هذا الشهر. لكن استطيع اختصارها بشعور واحد، هو الخذلان، والطعنة في الظهر، أول لنقل في القلب. فبدلاً من أن يُقدم من تسبب بدمار سوريا، وقتل مئات الآلاف، واعتقال مئات الآلاف منهم أيضاً، وتعذيبهم حتى الموت، وقصف المدنيين، والمستشفيات، والمدارس، والأسواق، وحتى استخدام الأسلحة المُحرّمة دولياً كالكيماوي، وجلب الميليشيات الطائفية، إلى المحاكمة العادلة، استقبل بالأحضان في جدة.

سيرك عربي

يقول الشاعر العراقي الراحل مظفر النوّاب:

قمم قمم قمم
معزى على غنمْ
جلالة الكبشِ
على سمو نعجةٍ
على حمارٍ
بالقِدم

ربما هذا الوصف المناسب لاجتماعات القمم العربية، التي تحفل جلساتها السابقة بأحداث لا تختلف أبداً عن السيرك. لكن الفرق الوحيد، أننا في السيرك، مع تحفظاتنا على استخدام الحيوانات فيه، نوع من المتعة، التي تنتج عن عامل الفُرجة. أما في اجتماعات القمم، فلا متعة ولا منظر، فقط كما يقول المثل الشامي “غبرة وعفرة وقلة واجب”. حكّام مستبدون، يحكمون شعوبهم بالحديد والنار، متخمون بأموال بلادهم المسروقة. حتى لغتهم لا يتقننونها، وخطابات جوفاء، “ويلا تنام ريما”. وبهذا قد نُعزي نفسنا المكلومة، بأن عودة الأسد المنبوذ إلى هذا السيرك، لا تقدّم ولا تؤخر. وعلى الرغم من أن إعادته شكّلت صدمة لنا جميعاً، إلا أنه عاد إلى حظيرة، بجلسة ترأسها شخص لا يقل إجراماً عنه، وبات لقب منشار ملازماً لاسمه.

السر بالكبتاغون!

في خطابات أركوزات القمة، رحبّوا بعودة المنبوذ، وتحدثوا عن اللاجئين، الشماعة التي يعلّق عليها الجميع فشلهم. متناسين عن قصد، أن سبب لجوء هؤلاء، براميل المتفجرات التي كانت تسقطها طائرات الأسد وروسيا على بيوت الآمنين، لأنهم قالوا لا في وجه المستبد. وسبق هذه العودة، الحديث عن وقف تجارة حبوب الكبتاغون، التي ينتجها النظام السوري بحسب التقارير العالمية، ويصدّرها لهم بالملايين. لكن في نفس الوقت استقبلوا أسكوبار الشرق الأوسط بالأحضان. والهدف هو حل الأزمة السورية حسب تعبيرهم!

فيا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، كيف استطعتم أن تضعوا أيدكم بيد تلطخت بدماء شعب كامل؟ ألم تقض مضاجعكم صرخات الأمهات اللاتي فقدن أولادهن في أقبية فروع مخابراته؟ ألم تسمعوا في كلماته، صرخات أطفال الحولة، عندما تم ذبحهم بسكاكين ميلشياته؟ أما شممتم في يديه رائحة الكيماوي الذي قتل به الشعب في دوما وخان شيخون؟

طعنة القريب تؤلم

بينما يرفض العالم الغربي وألمانيا التي حاكمت ضباط النظام بسابقة دولية، إعادة العلاقات مع النظام المجرم، مرتكب الجرائم بحق الإنسانية. استقبلوه من يدّعون أنهم أخوتنا. استقبلوه من لو أنصتوا خلال السنوات الماضية لوصلت إلى مسامعهم أصوات الانفجارات التي كانت تبعثر بيوت الآمنين وأشلائهم. وتناسوا 12 عاماً من القتل والاعتقال والتعذيب وإنتاج المخدرات. ما ضرّنا غريب يجهلنا، لكن أوجعنا قريب يعرفنا.

وستُضاف هذه الطعنة، وهذه الوصمة، إلى وصمات العار التي تكلل جباهكم. أما نحن فلن نتخلى عن مطلبنا حتى ولو خذلنا العالم كله، وهو العدل ومحاكمة المجرمين، ورحيل النظام الدكتاتوري القمعي. فإذا كنتم تراهنون على أن ننسى، فأنتم خاسرون.