ومن الحبّ ما قتل.. حين قالها الأصمعي لم يكن يعرف أن حال العشّاق تغيّر، وأن الأمر لم يعد كما كان سابقاً! فلا أطلال ولا قبور ليقف عندها المحبّون، يكفي الآن أن يتسلّح العاشق بحقده وسكين أو عدّة رصاصات ويحمل غروره المكسور ويتبعها حيث تذهب ويقتلها غيلةً، ثمّ يعلّق أخطاءه على شمّاعة جاهزة.
في الأسابيع الماضية حدثت خمس جرائم قتل بحقّ نساء وفتيات لأسباب مختلفة بعضها حدث في الجامعات. أي واقع هذا الذي نعيشه في مجتمعات تقتل أحلامنا؟ ومن المسؤول عن كلّ هذا العنف الذي لا يولّد إلى عنفاً أكبر؟
اتّساع دائرة العنف
تتعدّد الأسباب وطرق القتل لكنّ وجه الضحية يبقى ماثلاً، بصورٍ ينشرها لهنّ أهلٌ أو أصدقاء، أمّا القاتل فله العذر كلّ مرة. اعتدنا أن يكون القاتل أباً أو أخاً أو زوجاً، لكنّ دائرة العنف ضدّ المرأة تتّسع، فأن يقتل أحدهم زميلة له في الجامعة أو العمل لأنها رفضته فهو أمر لم نعتد سماعه بعد. وبين مطرقة العنف وسندان الاتّهام نجد أنفسنا أمام كابوس مرعب وموت متكرّر، مرّة بسكّين ومرة أخرى برصاص مسدّس. ليس بالأمر المفاجئ أمام كل هذا العنف الذي يعيشه العالم، والذي يزداد بشاعة يوماً بعد يوم. لا أكتب اليوم بلسان امرأة أو بمنطق نسوي، ولن أخاطب رجلاً أو مجتمعاً، بل سأكتب بقلب أم ولسان أخت أو ابنة، فما يحدث منذ فترة غير قابل للتصديق!
صور وجراح
بعد كلّ حادثة تمتلئ صفحات التواصل بصور باسمة للضحية وكثير من التعليقات التي تحمل خلف قناع الحزن ألف سبب لتحميل الضحية مسؤولية ما حدث، ويكفي أن نقرأ بعضها لنكتشف مدى التناقض والانقسام الذي يعيشه المجتمع. وهذا الانقسام يشمل كل جوانب حياتنا ويزداد عمق الهوّة بشكل أكبر عند كلّ حادثة مشابهة، فمنهم من يحمّل الضحيّة مسؤولية ما حدث، ومنهم من يدافع عن نساء العالم في شخصها. لكنّها ستبقى جرحاً نازفاً في قلوب من أحبوها وندبةً لن تزول.
ظاهرة الفيميسايد
يعتبر كثيرون أن ما يحدث استهداف موجّه إلى المرأة بشكل خاص، وتبرز في ظل هذه الظروف جمعيات حقوقية وإنسانية تحاول تحقيق تقدّم فيما يخصّ حقوق وحرية المرأة، حيث ترى وفاء حاج إبراهيم أن: “ظاهرة العنف ضد المرأة بكل أشكالها موجودة ومنتشرة في كافة أنحاء العالم، حتى في الدول التي تدّعي الحضارة والتطور، ولكن أن يصل العنف لحد القتل (الفيميسايد) فهي ظاهرة خطيرة تستحق الاهتمام والدراسة وخاصة من جهات حقوقية دولية وعربية لنوقف هذا النوع من القتل ونحمي النساء والبنات”.
وتعتبر حاج إبراهيم أن مثل هذه الحوادث كانت تحدث سابقاً كثيراً، وأن المرأة عانت وكافحت كثيراً حتى تبقى على قيد الحياة. لكن لم يكن هناك تواجد لوسائل التواصل التي تمكننا حالياً من نقل ونشر كل ما يدور حولنا. “نعم هو استهداف للنساء حتى لا يخرجن للحياة العامة ويتعلمن ويعملن ويشعرن بقيمتهن”.
التاريخ المؤسّس
ما هي جذور المشكلة؟ وما الأسباب التي أدّت إلى تكاثر هذه الحالات؟
هذه الأسئلة تتبادر إلى أذهان كُثُر عند تكرار هذه الحوادث، وعن ذلك تقول الدكتورة دانية يعقوب الناشطة في مجال حقوق المرأة والتي أسست عدة جمعيات لدعمها: “من فجر التاريخ تقول الدراسات والوثائق؛ إن المرأة لها دور كبير لدرجة التأليه، فقد كانت آلهة للخصب والحب والعطاء، وكان لها دور كبير في المعابد التي تُعتبر سلطة موازية للسلطة السياسية. ومع ظهور الدكتاتوريات وتدخّل الأديان السماوية بدأ دور المرأة بالتراجع، وقابله صعود مرسّخ لدور الرجل كمفسّر للنص الديني، فمارس سلطته على المرأة والتي أُطلق عليها مصطلح بطرياركي (أبوي) ومازال مستمراً”.
وترى د. يعقوب أن قضية السيدات اللواتي قُتلن مؤخراً من الوسط الجامعي لا ترتبط بدرجة التعليم بقدر ما هي مرتبطة بثقافة مجتمعية عامّة، وهي ما دفعت أحد القتلة إلى الانتحار والسبب خوفه من حكم العشيرة. فالمشكلة مشكلة توعية وإيمان بالقضية، وتلعب التربية دوراّ أيضاً، فالمرأة (الأم) التي لا تؤمن بقضاياها لا تستطيع الدفاع عنها.
وجهة نظر نفسيّة
لكن وبالمقابل؛ ألا يمكن أن يكون ازدياد العنف نتيجة لاضطرابات نفسية ومجتمعيّة؟ هذا ما تؤمن به فداء إدريس المرشدة النفسية والاجتماعية، التي ترى أن العنف مرفوض بالمطلق لكنّه سيبقى موجوداً، فالدنيا فُطرت على العنف وستنتهي بالعنف: “أنا لا أرى القصة من وجهة نظر الجندرة، وتحويل الموضوع لقضية جندرة هو علاج سطحي للحالة، أنا أراها أبعد من ذلك؛ فمن وجهة نظر نفسية تعود الظاهرة إلى حبّ التملّك الذي يُعدّ اضطراباً نفسياً ومرضاً عقلياً. فالتعلّق يمكن أن يؤدي إلى القتل، هو أحبّها كامرأة وقتلها لأنها رفضته والمرض العقلي المجتمعي يعتبر أن الحبّ تملّك وليس حريّة كما يجب أن يكون”.