Foto: Samah Shagdari
12. أبريل 2022

بفضل بوتين.. مدير الشركة سائق التاكسي!

في زيارتي المعتادة إلى طبيبتي لمراجعة حالتي الصحية، وجدت أمرا غير معتاد، فقد كان سائق التاكسي هو نفسه مدير شركة السيارات التي يعمل تحت إدارته 12 سائقا، وعدد من الإداريين، وليس من المعتاد أن يقوم المدير نفسه بتوصيل العملاء!

تبعات الحرب الأوكرانية

قبل 20 عاما جاء محمد جانكير نور الله من بلده الأصلي (باكستان)، إلى المانيا، ليصبح مديرا لشركته الخاصة بتأجير السيارات في ألمانيا، لكنه اشتكى بمرارة من تدهور الأوضاع نتيجة موجة التضخم التي ضربت البلاد وغيرها من الدول الأوروبية المعتمدة بمصادر الطاقة، ومواد غذائية على روسيا وأوكرانيا! لدرجة غياب كثير من هذه المواد عن رفوف المتاجر الألمانية.

هذا الأمر يمكن لنور الله التعامل معه كأي مقيم أو مواطن ألماني، بالحد من الاستهلاك وإعادة ترتيب الأولويات وفقا للموارد. لكن مشكلة الرجل تكمن بارتفاع أسعار البنزين تحديدا، وهو المادة الضرورية لاستمرار عمله، مقابل استمرار أسعار تعرفة النقل كما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

التكلفة أكثر من المربح

فبينما كانت تكلفة تعبئة خزان السيارة الواحدة بالوقود تبلغ 90 يورو أسبوعيا، أصبحت الآن 140 يورو، وهذا يعني تراجع نسبة الأرباح التي تجنيها الشركة لدرجة قد تؤدي للعجز عن الوفاء بالنفقات الإدارية لها.

لم يقتصر التأثير الناتج عن زيادة أسعار المواد الأساسية التي تعتمد عليها شركات السيارات على الوقود، فالزيوت أيضا ارتفعت أسعارها، وتكاليف الصيانة الدورية، مقابل امتناع شركات التأمين عن رفع الكلفة، وإحجام المواطنين عن استخدام سيارات الأجرة بتنقلاتهم نتيجة تأثر مصادر دخلهم، واتباعهم سياسات إنفاق جديدة للتكيف مع الأزمة القائمة. وأحيانا تضطر الشركة لإلغاء بعض طلبات التوصيل لأنها تكلف الشركة أكثر من المبلغ الذي يدفعه العميل!

بوتين أخطر من كورونا!

رغم التأثير الاقتصادي الذي خلقته جائحة كورونا، فإن نور الله يرى أن تأثير الأزمة الأوكرانية، أقوى من تأثير كورونا! ويخشى أن تتطور الأمور لتتورط ألمانيا مباشرة في الحرب، رغم ضعف هذا الاحتمال، نتيجة السياسات الألمانية الحذرة والمدروسة بعناية. لكن مخاوف أصحاب الأعمال تختلف عن مخاوف وآلية تفكير الشخص العادي!

لم تقدم الحكومة الألمانية حلولا عملية للأزمة الراهنة لتخفيف الضغط على أصحاب العمل في الوقت الراهن، كتخفيف الرسوم الضريبية على سبيل المثال، وفي نفس الوقت لم يُسمح برفع أسعار النقل لتعويض النفقات المرتفعة التي تفرضها أسعار الوقود. وكل البدائل المقترحة غير متاحة حاليا.

السيارات الكهربائية ليست حلاً

على سبيل المثال، يمكن استبدال السيارات العاملة بالبنزين بأخرى تعمل بالكهرباء، خاصة وأن ألمانيا متميزة في هذا المجال، إلا أن كلفة شراء هذه السيارات مرتفعة للغاية، إضافة إلى محدودية القدرة على استخدامها لمسافات طويلة، بحيث يمكن للاستخدام العادي أن يكون عمليا معها، لكن بالنسبة لشركات النقل فإنها تحتاج سيارات تعمل لمسافة أطول يوميا.

كما أن ضرورة استبدال بطاريات السيارات الكهربائية بعد مسافات محددة، تكلف شركات التأجير مبالغ خيالية كل عام أو عامين على الأقل. قد تصل إلى 10 آلاف يورو لكل سيارة، وبالتالي لا يعد هذا خيار عمليا بالنسبة للشركات، فشركة نور الله مثلا ستحتاج 120 ألف يورو لاستبدال البطاريات لسياراتها الـ12، وهذا لا يتناسب مع حجم الإيرادات الذي توفره هذه السيارت.

من جانب آخر، لو افترضنا اللجوء لهذا البديل الكهربائي، فإن سلسلة الموارد المتداخلة ستتأثر بدورها، حيث تعمل محطات توليد الكهرباء بشكل عام بمادة الغاز المستوردة من روسيا أيضا! ما يعني تأثرها بمحدودية استيراد الغاز الروسي، خاصة لو تطورت الأحداث في أوكرانيا، وحتى لو استمر تدفق الغاز على ألمانيا، فإن قدرات محطات توليد الكهرباء قد تتأثر بالضغط الذي قد ينتج عن التحول المفاجئ للاعتماد السيارات الكهربائية.

تدابير لتخفيف تبعات الأزمة الأوكرانية

رغم اعتبارها من أكبر الاقتصاديات في العالم، تعد ألمانيا من أكثر الدول تضررا نتيجة الحرب الجارية في أوكرانيا، وهناك مؤشرات على احتمال تعرض بعض الشركات للإفلاس، ويعود ذلك بدرجة رئيسية لاعتماد البلاد الكبير على روسيا كمصدر للطاقة.

في سياق اقتراحات نور الله بضرورة تدخل الدولة الألمانية عمليا لتخفيف الأعباء التي يتحملها المواطن أو المستثمر في ألمانيا، هناك توقعات بلجوء ألمانيا لبعض التدابير للحد من التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، كخفض الرسوم الضريبية على السلع والرسوم الحكومية على الخدمات، وفي نفس الوقت محاولة تعويض نقص الوقود، سواء باستخدام الطاقة النووية أو البحث عن مصادر بديلة للنفط والغاز الروسي، وهذا بالتأكيد يحتاج للمزيد من الوقت، ولا يمكن حدوثه بسرعة كما يأمل نور الله وغيره من المتضررين جراء الوضع الراهن.

  • إعداد: سماح الشغدري
    شاعرة وصحفية من اليمن