رجل أفغاني وسيدة أوكرانية في قطار ICE! Photo: Cornelia Gerlach
9. أبريل 2022

رجل أفغاني وسيدة أوكرانية في قطار ICE!

وصلت إلى محطة قطار برلين في حوالي الساعة 8 مساءً وكان عليّ أن أركب قطار ICE المتوجّه إلى هامبورغ في أقل من 20 دقيقة. تردّدت بين شراء شيء ما لآكله أو عدم شرائه، لكنّني قرّرت أخيرًا أنّ لا فرصة لدي ويجب علي ركوب القطار بسرعة.

انتقام الكرسي!

عندما وصلت إلى المقطورة رقم 7 ومع قليلٍ من البحث وجدت مقعدي. كان كرسيي أحد الكراسي الأربعة التي تواجه بعضها البعض في أزواج، مع طاولة تفصل بينها. عندها؛ لاحظتُ وجود امرأة في منتصف العمر بعيون زرقاء وشعر أشقر تجلس في مكاني. قلت لنفسي: كيف لهذه المرأة الأوروبية ألّا تهتم بما هو مكتوب على الكرسي وتجلس مكاني! في البداية فكرت بالعثور على مكان آخر، لكن بسبب التعب غيرت رأيي وطلبت منها بكل احترام أن تغيّر مكانها. كنت سعيدًا بعض الشيء لأنني اضطررت إلى ترك مقعدي عدة مرات من قبل لنفس السبب والآن حان دوري لأنتقم!

زهور جدتي

نهضت المرأة المُحرجة بسرعة وتركتني أجلس في مقعدي. جلست وبينما حزمت السيّدة أمتعتها. لاحظت ملابسها للتو؛ حدث كلّ شيء من قبل بسرعة كبيرة لدرجة أنني لم ألحظ سوى وجهها. كانت تضع على رأسها وشاحاً زهرياً صغيراً تقليدياً وترتدي سترة محبوكة بأزرار فوق قميصها الخفيف. لكن أكثر ما لفت انتباهي هو التنورة الزرقاء الداكنة بزهور الكمثرى/ الوردية. تذكرت بشكل لا شعوري جدتي في قريتنا شمال أفغانستان. كم كانت تحب الزهور وكانت معظم ملابسها مليئة بالورود الملونة كسهول مزار في الربيع.

أسئلة دون إجابات!

بعد بضع ثوان جلست المرأة على الكرسي أمامي وقالت محرجة: “أنا آسفة! لقد جئت للتو من أوكرانيا”! قالت هاتين الجملتين القصيرتين بلغة ألمانية مكسّرة ولكنة غريبة. فوجئت، وقبل أن أتمكن من الرد، مرّت كلّ الصور والأخبار الخاصة بأوكرانيا فجأة أمام عينيّ. لقد شعرت بالحرج حقاً عندما طلبت منها النهوض. ابتسمت وقلت: لا مشكلة! غادر القطار ومرّ بمنازل ومباني برلين. اكتفينا أنا وزوجتي بمشاهدة المنازل والسيارات والأشخاص في الطريق.

أردت التحدث معها لكن لا أعرف ما الذي أوقفني؛ أردت أن أسألها أين عائلتها؟ لماذا تسافر وحدها؟ هل منزلها لا يزال سليماً؟ هل تأمل بالعودة إليه ذات يوم؟ كل هذه الأسئلة طرحوها عليّ منذ فترة ولم يكن لدي إجابات لمعظمها!

لغة العيون

بعد ذلك بوقت قصير، أخرجت المرأة كيساً بلاستيكياً من حقيبتها الصغيرة ووضعت بضع شرائح من الخبز المنزلي وبعض الخضار على الطاولة. شعرت وكأنني أرى جدتي؛ اعتادت هي أيضاً أن تحمل معها الخبز الجاف والجبن والخضروات. عندما كنّا مع جدتي، لم نكن نخاف من الجوع فقد كان الخبز في حقيبتها الصغيرة. وضعت المرأة بهدوء قطع الخبز في فمها ونظرت من النافذة إلى الظلام خارج القطار. لكن عينيها لم تكن هادئة. شعرت وكأنني أعرف عينيها. لقد رأيت هذه العيون من قبل. كانتا عينا جدتي، التي كانت تطل من نافذة منزلنا في المنفى كل يوم. كانت كذلك عينا والدي عندما كان عليه أن يودع منزله. كانت هذه عينيّ قبل بضعة أشهر فقط، عندما تحطمت كل أحلامي وآمالي في وقت قصير. أنا أيضاً حدقت بقلق في شاشة هاتفي الخلوي، لأشاهد تدمير منزلي من مسافة بعيدة. فكرت بشكل لا إرادي بالحديقة الصغيرة التي أقامها والدي؛ الحديقة التي كانت تجتمع عائلتنا فيها لشرب الشاي بعد ظهر كل يوم.. هل تفكر هذه المرأة أيضاً بمنزلها؟

ربما..

ابتعد القطار عن برلين بمسافة طويلة، ولم نعد نستطع رؤية شيء سوى أضواء صغيرة من بعيد! لم يعد ضوء القمر في سماء الشتاء الباردة منيراً. أحيانًا في انعكاس نافذة القطار رأيت وجه المرأة، كانت عيناها تحدقان في الظلام خلف النافذة. ربما رأت في هذا الظلام صورة مدينتها المدمرة وربما تخيّلت صورة منزلها حيث لم يعد بإمكانها خبز الكعك لأحفادها. ربما كانت تنظر إلى فناء منزلها الخلفي الذي لم يعد أخضر، وقد أوقفت بضع قطعٍ من الحجر والخشب المحروق والنار زهور حديقتها من النمو.

كان القطار مسرعاً خلال الليل المظلم، وكان رجل أفغاني وامرأة أوكرانية يجلسان مقابل بعضهما البعض بعيداً عن منزليهما. كانا كلاهما يبحثان عن قطع من الضوء في الظلام خلف النافذة.

  • نص لـ جلال حسيني، ترجمة: هيفاء عطفة