Foto: Monika Skolimowska/dpa
1. مايو 2022

سيّدة أوكرانية ورجل أفغاني في القطار.. وأنا!

حين عُرضت علينا قصّة “سيّدة أوكرانية ورجل أفغاني في قطار” خلال جلسة تدريبية لكتابة قصة صحفية لم أتخيل أنها ستحاصرني كل هذا الوقت! وجدت نفسي أعود لقراءتها أكثر من مرّة وأتساءل عن سبب تأثّري بها! كثيرة هي الإجابات التي تقافزت أمامي؛ ربّما تشابهت قصصنا وربّما لأن الكاتب كان متأثراً وكلماته نابعة من قلبه!

كيف تتقاطع القصص المتشابهة؟

في القصة يحاول الكاتب جلال حسيني، أن يلحق بقطاره الذاهب من برلين إلى هامبورغ، وحين يصل إلى مقعده بعد بحث يجد سيّدة ذات شعر أشقر وعينين زرقاوين تجلس في مكانه، فيخبرها باحترام أن المقعد محجوز وتغير مكانها معتذرة! إلى هنا يبدو الأمر طبيعياً لكن العبارة التي أربكت الكاتب كما أربكتني والتي قالتها له بلغة ألمانية ركيكة ذات لكنة غريبة “أعتذر أنا قادمة من أوكرانيا”

عندها فقط رأيت نفسي جالسة هناك في الطرف المقابل لهما، أستمع إلى تلك الكلمات القليلة وأتخيّل ما كان يدور حينها. سيمرّ الشريط الإخباري أمامي بلونه الأحمر معلناً كارثة أخرى تشبه ما مررنا ونمرّ به حتى الآن!

ذكريات وصور!

كيف لي أن أطلب منها تغيير مقعدها هذا ماكنت سأقوله لو أنني مكانه، كنت سأخجل مثله من طرح تلك الأسئلة التي تثقل كاهلنا جميعاً: هل أتيتِ بمفردك؟ هل دُمّر بيتك؟ كيف؟ ولماذا؟ وربّما ستخنقني الدموع وستمنعني من الكلام!

نعم كنت سأنظر من النافذة نفسها وسأتذكر كم هي جميلة أضواء مدننا في الليل! وكم كنت مفتونة دائماً بمنظر تلك الأضواء التي لطالما راقبتها من خلف زجاج الحافلات هناك. بل وأكثر من ذلك، كنت سأسمع صوت غناء لمطرب قديم قادماً من مقهى على الزاوية مصحوباً بصوت النرد وضحكات ممتزجة بسعال أحدهم.

تخيّلت جدّته أيضا؛ لا بل رأيتها بفستانها المليء بالزهور، رأيتها تفتح كيساً أخرجته من حقيبتها لتعطيني قطعة من الخبز ورأيت جدّتي أيضاً وهي تشكّل بيديها المجعدتين أشكال عصافير من عجينة البرغل (الكبّة) وتقليها لنا ونحن نقفز حولها بانتظار دورنا. كان عليّ أن أتذكر أيضاً مدى صعوبة العناق الأخير لأحبّة تركتهم هناك وكم آلمني شوقي الدائم لهم، ومن خلف الزجاج سأبحث عن صورة بيتي معهم.

نحتاج إلى نهايات.. جميعنا!

تساءلت كثيراً أين كنت أخبئ كل هذه المشاعر؟ وكيف انفلتت من عقالها كلها دفعة واحدة؟ تراشقت الصور أمام عينيّ ولم أكن بحاجة للتخيّل، فصورة الحديقة الخلفية لمنزل أهلي حيث كنا نجلس لشرب المتّة أو القهوة في الوقت الذي كانت فيه أمي تقطف نبتة الخبّيزة لاتزال ماثلة أمام ناظريّ. يكفي فقط أن أركب حافلة أو قطاراً ليبدأ البحث من خلف الزجاج عن الحكايا المخبأة خلف جدران البيوت، ثم أنتقل لأبحث بين الوجوه الجالسة معي؛ بلى! كنت أبحث دوماً عن نفسي وعن أحبّة تركتهم هناك بين تلك الوجوه وأرسم سيناريوهات لما يمكن أن ترويه لي إحدى هذه الشخصيات.

قلت لنفسي: هل كنت سأتجرأ وأسألها أو أنّ الوجوم الذي أصاب الكاتب سينتقل إليّ وسأكتفي بالبحث عن الضوء هناك خلف الزجاج معهما؟ وصل القطار إلى محطّته الأخيرة لكنّ سيدة أوكرانية ورجلاً أفغاني.. وأنا، مازلنا نبحث عن وطن ضائع في ركام الذكريات!

  • هيفاء عطفة