illustrations: Noah Ibrahim
15. مارس 2021

شكة الدبوس ورهاب الحقنة!

منذ أن بدأ الحديث عن لقاح كورونا، وأنا أسأل نفسي: لماذا لقاح كورونا مختصر فقط على الحقن؟ لماذا لا يكون هناك قطرة، أو حبة، أو حتى تحميلة! لماذا لا يكون هناك خيارات، كتلك التي عرضها علّي الطبيب الأردني، عندما أردت الحصول على لقاح شلل الأطفال، الواجب الحصول عليه قبل التقدم للفيزا في السفارة الألمانية. حينها قال لي الطبيب أتريد حقنة أم قطرة؟ فجاوبت بسرعة أكيد قطرة!

نعم أنا أخاف من الحقن، ولذلك أسباب أوردها فيما بعد. لكن دعوني أخبركم أنني لست الوحيد في العالم، وأن الخوف من الحقن، هو رهاب الحقن، واسمه العلمي “التريبانوفوبيا”، وهو اضطراب نفسي ينتج عن الخوف من الحقن، والذي يتطور في بعض الحالات، إلى رهاب من زيارة الطبيب، وإجراء الفحوصات الروتينية، وكذلك الرهاب من طبيب الأسنان وهذا ما يحدث معي تماماً!

لماذا أنا مصاب برهاب الحقن!؟

بعض الدراسات تقول إن لذلك أسباب وراثية، أي قد يكون أحد أفراد العائلة، يعاني من هذا الرهاب أيضاً، لكن لم يتسنَ لي أن أسأل أفراد عائلتي البعيدين عنّي، من منهم يخاف من “الإبرة”! وأذكر أن أخواتي المصابات بالسكري الوراثي، كنَّ يحقن أنفسهن بالأنسولين بأنفسهن، مما يجعلني أستبعد أن يكون السبب وراثياً.

لكن أتذكر أيضاً بعض التصرفات التي كان الأهل يقومون بها، لجعل الإبرة وسيلة تأديبية لأولادهم كثيري الحركة. فقد سمعت أمهات كثر يقلن لأولادهن المصرّين على مرافقتهن إلى السوق، بأنهنَّ ذاهبات إلى الطبيب لأخذ “إبرة”. وكذلك بعض الجدّات اللاتي يضقن ذرعاً بأحفادهن المشاغبين، ولإسكاتهم يقلن “يلا راح جيب الإبرة”! ربما هذا الموروث التأديبي، أسس لرهاب الحقنة، التي ارتبطت في مخيلتي بالعقاب، بدلاً من العلاج!

ذكريات لقاح الصف الأول تعود من جديد!

قبل شهر تقريباً طلبوا منّي في السكن دفتر لقاح، ولقاح ضد الحصبة. فقلت في نفسي “إجت والله جابها”، لعليّ أتجهز نفسياً للقاح كورونا. لكن كلمة لقاح مرتبطة بذاكرة بعيدة، وهو لقاح لم أعد أذكر اسمه، كان يتم حقننا به في الصف الأول الابتدائي في سوريا. اللقاح الذي ترك أثره على أكتاف معظم السوريين. صحيح أنني لا أذكر اسمه، لكنني أذكر جلسات التعذيب -عفواً- جلسات التطعيم التي كانت تتم في المدارس. أتذكر جيداً صراخ التلاميذ وأنا منهم خوفاً من الإبرة، وسط غرفة يحيط بهم مدير المدرسة المتجهم، وممرضات وممرضين ملولين، ومتجهمين أيضاً! كانت الممرضة تتقدم من التلميذ مشهرة الحقنة في وجهه، وهي حقن كبيرة، تمسك يده وترفع أكمام اللباس المدرسي، وتطعن، عفواً تغرز الإبرة وتمسح بقطنة وتقول “يلا إلي بعده ولاك”!

إديني الحقنة بسرعة..

لكن تجربتي الأولى مع لقاح الحصبة في عيادة الطبيب بمدينة هايدلبيرغ، كانت مختلفة. فقد قلت للممرضة قبل أن تبدأ أنني أخاف من “الإبرة”. وليس مبالغة كان قلبي يرتجف، وتذكرت أصوات الأمهات، والجدات، ووجه المدير، والممرضات المتجهمين،وصراخ التلاميذ. لكن الممرضة الألمانية تفهمت الأمر. وقالت لي استرخي، وانظر إلى الجانب الآخر، وبدأت تسألني عن الجو في برلين، فقلت لها: “أعرف أنك تحاولين صرف نظري عن الإبرة، هذه الحيلة لن تنفع معي” لكن ما إن أنهيت جملتي حتى قالت “لقد انتهينا”! استغربت من ماذا انتهت يا ترى، لم أشعر بها، حتى مصطلح “شكة الدبوس” الذي يشبهون غرزة الإبرة فيه، لم أشعر به أيضاً! فتمنيت لو أنني أستطيع أخذ لقاح كورونا في ذات الوقت، وأي لقاح آخر، فالأمر لم يعد مخيفاً!

وها أنا أنتظر أن يتوفر اللقاح، ويُسمح لنا بأخذه، لكنني لا أتوقع أبداً حينها، أن أصوات الجدات والأمهات ووجه المدير المتجهم، وصراخ تلاميذ الصف الأول الشعبة الثانية، قد تغيب عنّي!

  • illustrations: Noah Ibrahim