Photo: Amal.Berlin!
26. ديسمبر 2020

سمية الزبيري.. اليمنية التي حققت حلمها ولم تنسى وطنها

في ألمانيا بدأت أحلام سمية الزبيري تتفتح، وكبرت أهدافها! بالنسبة لفتاة يمنية تغادر وطنها وعليها أن تستقر لعدة سنوات في مجتمع لا تعرف عنه الكثير، كانت تدرك أن “طريق المستقبل ليس مفروشاً بالورود”. إلا أنها كانت تحمل منذ الطفولة طموحاً وأمنيات كبيرة. ولأنها دوماً واقعية، لم تسمح لخيالها أن يذهب بعيداً. فقد عرفت منذ اليوم الأول أنه لا يوجد مكانٌ أفضل من ألمانيا يساعدها على تحقيق غاياتها. وكانت تعرف حينها بأنه لا يمكنها البقاء طويلاً في الغربة، لذلك بدأت سريعاً. واليوم بعد 15 عام وخبرة علمية وعملية واسعة، تنتظر سمية بفارغ الصبر اللحظة التي تتوقف فيها الحرب في اليمن كي تعود لخدمة بلدها.

بداية الطريق..

وصلت سمية وأسرتها ألمانيا عام 2005 بعد تعيين والدها ملحقاً عسكرياً بسفارة اليمن في برلين. وعلى الفور استغلت وقتها بدراسة اللغة الألمانية. حينها كان القدر يخبئ لهذه الفتاة الكثير من المفاجآت. وبدأت أولها عندما جمعتها صدفة سعيدة بشاب يمني مقيم هنا. لم يمر وقت طويل قبل أن يجمع الثنائي توافق حول الكثير من الرؤى والأفكار، وقصة حب، تكللت بعد عام بالزواج.

بعد الزواج وجدت الزبيري نفسها على عتبات عالم جديد يتوجب عليها مواجهته بقوة ومرونة أكبر. لتحظى فيه بحياة متوازنة حافلة بالحضور العلمي والعملي. انتقلت للعيش مع زوجها في مدينة صغيرة خارج العاصمة لم تستطع فيها مواصلة دراسة اللغة. لعدم وجود وسائل مواصلات نشطة، إلا أنها جعلت من هذه المرحلة منطلقاً لرسم أهدافها وخططها المستقبلية.

مع قرب انتهاء فترة عمل والدها. عادت سمية إلى برلين بهدف العيش لبضعة أشهر مع عائلتها التي سيتوجب عليها ترك ألمانيا والعودة إلى اليمن. وفي تلك الفترة الوجيزة بدأت معالم حياة ومستقبل سمية العلمي والعملي بالوضوح. حصلت على دعم وتشجيع كبير من زوجها، فالتقطت اللحظة وانطلقت في طريق تحقيق أحلامها. وكان إتقان اللغة الألمانية أول الخطوات الهامة للالتحاق بالجامعة ودراسة الماجستير.

ورغم أنها كانت حصلت على شهادة جامعية في إدارة الأعمال من جامعة صنعاء قبل انتقالها إلى ألمانيا، إلا أن سمية قررت دراسة الماجستير في الهندسة (تخطيط وإدارة المساحات الحضرية الخضراء)، واختارت اليمن مكاناً لتنفيذ رسالتها: “ذلك أن هذه المشاريع موجودة فعلاً في ألمانيا على عكس اليمن الذي ما يزال المجال فيها مفتوحاً وواسعاً”.

العودة إلى اليمن لجمع المعلومات!

سافرت الزبيري إلى اليمن لجمع معلومات رسالة الماجستير. وفي حين تحدثت عن الكثير من الصعوبات التي واجهتها في اليمن، إلا أنها أشارت إلى عدد من الفرص والتسهيلات التي ساعدتها بجمع البيانات في اليمن: “كوني امرأة، وأدرس في الخارج جعلني أحصل على امتيازات وتعاون من الجهات المختصة، وأتيح لي الوصول الى بيانات ووثائق، عدا أن المشكلة كانت في شحة المعلومات، وعدم التزام الموظفين بالمواعيد”.

أثناء قيامها بالبحث الميداني. لاحظت سمية أن المساحات الخضراء في العاصمة اليمنية صنعاء تقتصر على عدد محدود من الحدائق العامة. كما وجدت أن مدينة صنعاء القديمة المأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 سنة والمدرجة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو منذ عام 1986. انحسرت فيها البساتين بشكل كبير، حيث كانت تضم أكثر من 40 بستاناً تتوزع على أحيائها الأثرية كمتنفسات طبيعية تقصدها العائلات للتنزه وعقد الجلسات، علاوة على أنها كانت تنتج أصنافا من الخضروات والفواكه.

تجاوزت سمية تحدي الدراسة بنجاح، وحصلت على الماجستير، وتوقعت أن مؤهلها سيمكنها من الحصول على فرص عمل كثيرة، بيد أنها تفاجأت بصعوبة الحصول على الوظيفة، نتيجة المنافسة الشديدة، ووجدت نفسها مقدمة على مرحلة أكثر تحدياً، ذلك أن سوق العمل يتطلب أيضا خبرة سابقة ومعرفة كافية بالتكنولوجيا، فلجأت للدورات التأهيلية وانخرطت في عدة برنامج لإدارة المشاريع، الأمر الذي ساعدها على الالتحاق بـسوق العمل.

العمل المفضل.. والحلم المؤجل!

حصلت الزبيري على وظيفة في شركة تعمل بإدارة المنشآت، إلا أن العمل كان بعيداً عن تخصصها ولم يرقى لشغفها المهني ورغبتها في تطوير نفسها، فتركت الشركة بعد عام ونصف، وقدمت طلبات توظيف إلى مؤسسات برلينية عديدة. لاحقًا حصلت سمية على وظيفة مرضية بمدينة هانوفر البعيدة عن سكنها، ومثّل هذا تحدياً جديداً لها، استطاعت التغلب عليه بدعم لا محدود من زوجها. تقول: “لم يدر النقاش حول الموافقة على العمل بعيداً عن المنزل، وإنما حول آلية تخطي مرحلة البعد”.

لم تضعف سمية أو تستلم للصعوبات في كل مراحل التحدي وعملت بكل جد لتأهيل نفسها! ولم تلتفت إلى طول المشوار للوصول إلى أهدافها حتى وصلت إلى المكان الصحيح والوظيفة التي تحقق لها الرضا، وما تزال لديها طموحات كبيرة في العمل والدراسة. ورغم من أنها بدأت -كما اخبرتني- بتحضير الماجستير الثاني (عن بُعد). في مجال العلوم البيئية، كي تتمكن من الالتحاق بدراسة الدكتوراه. لأنها ترى أن العلوم البيئية ستفتح لها أبواب واسعة بدراستها الأكاديمية. إلا أنها لم تنسَ حلمها في العودة إلى بلدها الأم اليمن للمساهمة في خدمتها بعد ان تحصلت على خبرات كافية. تقول: “حتى إن تحقق لي كل شيء، سيبقى هناك حلم العودة المؤجل، رغم أن أحلاماً مثل هذا صعبة في زمن الحرب والدمار”.

  • نص لـ سماح الشغدري
    شاعرة وكاتبة يمنية