جذور جديدة في تربة رملية!
10. ديسمبر 2020

جذور جديدة في تربة رملية!

قبل ثماني سنوات، في شتاء 2012، سلكت طريق المنفى، لم يكن معي آنذاك سوى كيس بلاستيكي، وضعت لي أمي فيه مصحفاً ووشاحاً صوفي صنع يدها، وبعض الملابس الشتوية. حملت الحقيبة في يدي، وفي رأسي حقائب أخرى، مليئة باحلام المستقبل، وتمنيات والدتي الطيبة. لم استطع البقاء في سوريا، بسبب معارضتي، وعدم قبول الانضمام للجيش السوري الذي تسبب بقتل المدنيين وتدمير بيوتهم. عندها وصلت إلى الأردن، وبعد عامين جئت إلى ألمانيا بمساعدة منظمة “مراسلون بلا حدود”. أثناء سفري من الأردن إلى ألمانيا كبرت حقيبة أمتعتي من كيس بلاستيكي، إلى حقيبة كبيرة للسفر. لكن صندوق الأحلام تقلص به حلم العودة الآمنة إلى حلم صغير، وأضفت إلى الصندوق فضولي، والرغبة في التعلم قدر الإمكان.!

برلين البداية الجديدة.!

رحبت بي برلين بسماء خريفها الرمادية، لقد وقعت في حب المدينة منذ البداية. حيث كانت تمثل لي المدينة مثالاً على النهوض مجدداً بعد أن تعرضت للدمار الشامل في الحرب العالمية الثانية. في ذلك الوقت كان لدي الكثير من الأسئلة: هل استمر في العمل كصحافي؟ أم أرجع لمهنتي الأصلية مدرساً للغة العربية؟ أم أتابع دراستي؟.
وبدأت بتعلم اللغة الألمانية، الأمر الذي فتح لي باباً جديداً في هذا البلد، حيث حصلت على تدريب داخلي في راديو الثقافي في إذاعة برلين وبراندنبورغ. فأدرت مع شادي بحوث برنامج “تاندم” تحدث شادي فيه عن حياته في ألمانيا، وأنا تحدثت عن طريقي كوافد جديد.!

الجذور القديمة لا تناسب التربة الجديدة.!

أثناء ذلك تعلمت الكثير، وأدركت الفارق بين وطني وثقافتي، والبلد الجديد وثقافته. كنت أشبه بشجرة اقتُلعت من الأرض لتغرس في أرض جديدة. لكن بطريقة ما الجذور القديمة للشجرة، التي نمت في التربة السورية، لم تكن مناسبة تماماً للتربة الرملية في برلين. كان علي أن أطوّر جذوري، بحيث تتأقلم مع التربة الجديدة وهنا سألت نفسي: كيف أفعل ذلك.؟
كان علي أن أتعلم أن المصطلحات يمكن أن يكون لها معان مختلفة، فما أسميته بالثورة في بلدي الأم، بات يسمى بالحرب الأهلية من قبل الصحافة الألمانية. ثم كانت هناك الكليشيهات والأسئلة الغريبة التي كان عليّ الإجابة عليها طوال الوقت من قبيل: هل تسكنون بالخيام؟ هل لديكم سيارات؟.
لم يقتصر الأمر على ذلك، حيث بدأت تظهر تحديات جديدة، علي وعلى أمثال من القادمين الجديد مواجهتها. وخاصة التحديات السياسية. فمع قدومي ووصول كثيرين آخرين من سوريا، والعراق، وأفغانستان، أصبح صوت المتطرفين اليمينين عالياً، لقد فعلوا كل ما في وسعهم لإلقاء الضوء علينا من خلال تشويه صورتنا. لكن الشيء الجيد هو أنه لا يمكنهم فعل ذلك، فالألمان لديهم خبرة مع أصوات الكراهية هذه، وهم يقاومونها دائماً. ومن أجمل ذكرياتي كان حملة عام 2018، والتي أطلقت تحت شعار “نحن أكثر” كان الشعار بسيط جداً، وواضح جداً.!

تكلموا معنا ليس فقط عنّا.!

التحدي الآخر هو أن يكون لك رأي في السياسة. يجب على صانعي القرار التحدث إلينا بدلاً من التحدث عنّا، ونريد المساعدة في حل المشاكل. فمثلما يؤثر كورونا على الجميع، يعاني الجميع أيضاً من عنف يميني وعنصرية. إنهم يسممون المناخ الاجتماعي. إن عمليات الترحيل إلى دول غير آمنة لا تضر فقط بالمرحلين. الظلم يقوض الديمقراطية. من ناحية أخرى لا يقتصر لم شمل الأسرة على إسعاد الأسر المتضررة، بل يسعد الجميع. لقد أخذني جناحي إلى المنفى وأنا الآن على وشك أن أرسي جذوراً جديدة، صحيح أنها لا تزال طرية، وتجد صعوبة في التمسك بالأرض الجديدة. لكنها ستتشبث يوماً، وسأثمر، وأعطي الجميع مما أثمرت شجرتي.!

  • – هذه المقالة نُشرت باللغة الألمانية في عدد اليوم من صحيفة Tagesspiegel ضمن ملف أصوات من المنفى بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان. العدد تم بالتعاون مع أمل برلين و كوربر شتفتونغ. وشارك فيها مريم مارديني من القسم الفارسي، أملود الأمير من القسم العربي، وخالد العبود من القسم العربي. يمكنكم الإطلاع على جميع المقالات هنا.

Photo : Pixabay Bill Kasman