حرية الجسد لا تقل شأناً عن حرية البلد Photo: AmalNews
28. يونيو 2020

حرية الجسد لا تقل شأناً عن حرية البلد

منذ انتشار خبر انتحار الناشطة الكويرية المصرية سارة حجازي في كندا، لم يتوقف السجال الحاد على مواقع التواصل الاجتماعي، بين متضامن مع سارة، وحقوق المثليات والمثليين، وبين من هاجمهم بدرجات مختلفة! بداية من (ليس لنا علاقة بأناس مثليين)، إلى من يرى أن هؤلاء الناس لا يستحقون الحياة، وإن ماتوا لا يستحقون الرحمة! إلا أن ما كان مؤلمً بالنسبة لي، أن تظهر كمية كبيرة من التنمر على مثليي الجنس، من أناس يفترض أن يكونوا بالصفوف الأولى للدفاع عن حقوقهم، كل ذلك دفعني إلى توجيه رسائل إلى عدة أطراف، أعبر فيها عن رأيي بهذا الخصوص..

من يعادي اللاجئ.. يعادي مثلي الجنس

الرسالة الأولى هي إلى اللاجئين الذين قدموا إلى أوربا، فهؤلاء يجب أن يكونوا، أول من يدافع عن حقوق المثليين، فكيف لإنسان تعرض للظلم والاضطهاد أن لا يتعاطف مع أناس مظلومين مثله، فالإنسانية لا تتجزأ، هل تعلم عزيزي اللاجئ أن الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تقف ضد اللاجئين وتطالب بترحيلهم، هي نفسها من تعادي حقوق مثلي الجنس؟ وبالتالي من الناحية الأخلاقية والمصلحية التضامن معهم طبيعي، وإذا كانت معتقداتك الدينية والأفكار التي تربيت عليها تمنعك من التضامن معهم، يفضل أن لا تهاجمهم بالعلن فأنت تؤدي خدمة مجانية لمعادي اللاجئين..

الرسالة الثانية إلى الثائرين على الأنظمة القمعية في بلدانهم، ويطالبون بالحرية لأوطانهم، وبنفس الوقت يهاجمون مثلي الجنس! فكيف تريد حرية لوطن وأنا تعارض حرية الآخر بجسده أو جسدها، وماذا ينفع المثلي أو المثلية، أن تكون هناك حرية سياسية وديمقراطية في بلده إذا لم تحترم حريته بأقرب شيء له أو لها وهو جسده أو جسدها. فحرية الجسد لا تقل شأناً عن حرية البلد..

الرسالة الثالثة للمصابين برهاب من مثلي الجنس، ويحاولون على الدوام الابتعاد عنهم واعتبار المثلية مرض، ومثليو الجنس مرضى! أود أن أخبرك بأن العلم يقول عكس ذلك، لا بل يعتبر أن من يملك رهاب من مثلي الجنس، هو المريض وعليه أن يعالج، ولكي لا ندخل في التفاصيل العلمية سنوضح الأمر بشكل أبسط.. الرهاب من مثلي الجنس والذي يسمى Homophobia مماثل للرهاب من الإسلام Islamophobia، وحل مشكلة الرهاب من الإسلام لا يكمن بأن يطلب من المسلمين تغير عقيدتهم، وإنما بعلاج المصاب بالرهاب وجعله يتقبل أن هناك بشر لها عقيدة مختلفة، وهذا ينطبق على المصاب برهاب المثلية، الذي عليه أن يتعالج ليتقبل أن هناك بشر يختلفون عنه بميولهم الجنسية! وبهذا الخصوص لا بد من توجيه رسالة إلى القائمين على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تفتح الأبواب لنشر الخرفات والأوهام، ومغالطات كالقول بعلاج الإلحاد أو المثلية.. إلخ، مستغلين حساسية هذه المواضيع بالنسبة لشعوب متدينة كالشعب العربي.

مثليو الجنس أشخاص عاديين

الرسالة الرابعة هي للمتعاطفين مع مثلي الجنس وأكرر  للمتعاطفين وليس للمدافعين، والذين يرتكبون عن حسن نية بعض الأخطاء، كمحاولة تصوير مثليي الجنس بأنهم أناس طيبون، ومحاولة إعطاء صورة ملائكية عنهم، وهذا بالحقيقة غير صحيح وهم أناس عاديون، قد يتواجد بينهم المجرم والسارق وغيره، لكن هذا لا يسلبه حقه بميوله الجنسية مطلقاً، سواء كان طيباً أم شريراً. أما الخطأ الآخر هو اصرارهم على أن الأمر ليس بيدهم، بل الأمر يتعلق بالجينات الوراثية، وهذا تبرير غير مبرر، وما العيب أن يكون بقرار منهم أو منهن؟  ما دام هذا القرار يتعلق بأجسادهم أو بأجسادهن! وليس قرار يتعلق باجبار مغاير الجنس على الاقتداء بهم.

بالنهاية حقوق المثليين واللاجئين والمرأة وغيرها الكثير من الحقوق، هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، والمطالبة بها والتعاطف مع أصحابها يتطلب شرطاً واحداً لا غير، أن يضع أي شخص انسانيته كأولوية، بغض النظر عن المعتقدات الدينية والسياسية والعرقية..