في ظل العزل المنزلي الذي فرض بكثير من البلدان، تزايد الحديث عن العنف المنزلي الذي يطال النساء حول العالم، مع أن العنف ضد المرأة ليس أمرا جديدا، إلا أن استمراره وتزايده المخيف يجعل العالم أمام تحدٍ للقضاء عليه عبر حلول جادة، وليس التعامل معه كمواضيع موسمية كما العادة! تنتهي بانتهاء المناسبة التي لأجلها ظهر الحدث على السطح! وبالطبع فإن النساء في ألمانيا لسن بمنأى عن العنف الذي تتعرض له نظيراتهن في كل مكان، تحدثت مع مجموعة من الشابات والنساء من ربات البيوت عن تجربة العزل وكيف كن يقضين أوقاتهن في البيوت، سواء ربات البيوت أو العاملات أو الطالبات، وكان رد اغلبهن بأن العزل فترة قاسية جدا!
إعادة تقييم العلاقات الأسرية!
وجدت بعض النساء المتزوجات أن بقاء أزواجهن في المنزل لفترات طويلة سبب لهن الكثير من القلق، “ولا يخلوا الأمر أحيانا من الشجار، لأنه يصدر الأوامر وينتقد كل شيء” قالت إحداهن! البعض الآخر يرين هذه الفترة بمثابة فرصة لإعادة التفكير في علاقاتهن وحياتهن الاسرية، وكيفية تعامل أزواجهن معهن ومع الأولاد! وقيمت أخريات علاقتهن بكل شيء حولهن بما في ذلك أولادهن..
بعض ممن تحدثت إليهن سواء أثناء اللقاء أو عبر الهاتف في هامبورغ وبرلين وهانوفر وجدن أن العلاقة الأسرية لم تكن متكافئة اطلاقا، مؤكدات أن العزل المنزلي غيّر الكثير في نمط الحياة بكافة مستوياتها، واثر على نفسية الكثير من الأشخاص، وجعلهم غير قادرين على الفرار من شبح مواجهة الذات وإعادة تقييم مسار حياتهم الأسري والعاطفي والاقتصادي والاجتماعي!
العنف العابر للجنسيات
تقول احدهن ان العنف ليس جسدي فقط، فهناك ما هو اقسى واصعب، وهو العنف المعنوي الذي لا تمحى اثاره بسهولة، غير أن هناك من ترى أن العزل كان فرصة مناسبة لتتعرف على زوجها الذي كان طيلة اليوم خارج المنزل، إما مشغولا بالعمل أو مع أصدقائه، فوجدت أن بقاءهما لأسابيع سويا جعلهما يتعرفان على بعضهما كأسرة، وجعل الأبناء يقدّروا ما تقوم به الأم من واجبات منزلية، وقرروا عمل جدول لتوزيع المهام بينهم ذكورا وإناث، مع مراعاة الخبرات- كما تقول وهي تضحك!
ولا يقتصر العنف ضد المرأة على جنسيات بعينها، اطلعت على قصص عنف طالت حتى نساء المانيات بما في ذلك العنف اللفظي والنفسي، غير أن النساء العربيات والمسلمات هن الأكثر تضرر من العنف المنزلي؛ لأن أغلبهن يخشين إبلاغ الجهات المختصة، إما لأسباب مرتبطة بإرث متمثل بالعادات والتقاليد التي لا تزال تسيطر على تفكير ونفسية الكثير منا، أو لصعوبة التواصل مع الجهات المختصة بسبب حاجز اللغة، أو لجهل الكثيرات بالقوانين الألمانية التي تحمي النساء من التعرض لأي إساءة معنوية أو لفظية أو جسدية، أو أي عقبات أخرى مثل الاشاعات المنتشرة بأن تبليغ المرأة عن أي حالة عنف قد يسهم بتفكيك أسرتها وانتزاع أطفالها منها، وحرمانها من العودة لزوجها!
القانون سند المرأة الحقيقي
في بلد المهجر تخاف أغلب النساء القادمات من ثقافات عربية إسلامية من القانون نتيجة الجهل به، وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني، خاصة المنظمات التي تعنى بالدفاع عن حقوق المرأة، إذ لا بد أن يكون لها دور جاد في تشجيع النساء عن طريق تعريفهن بالقوانين، وبحقوقهن وبوسائل الحماية التي تضمن عدم تعرضهن وأطفالهن لأي ضرر.
تشكل أزمة كورونا فرصة لتبنّي مشاريع دعم أسري ونفسي وحقوقي لهؤلاء النساء كي يتخلصن من شبح مجتمع جاثم على ذاكرتهن، حتى وهن بعيدات عنه آلاف الأميال، كما يجب الحرص على إزالة المخاوف بتوضيح أن هذه الاجراءات القانونية المتسلسلة، لا تصل إلى انتزاع الأطفال من الأسرة، أو منع الزوجة من العودة لزوجها، إلا عندما يصل الأمر إلى طرق مسدودة، وأن هذه الخطوة تأتي لردع الرجل، سواء كان زوج أو أب أو ابن، من ممارسة سلطته الذكورية على المرأة، دون أن يكون هناك أي رقيب، فالمرأة هنا -في الغالب- لا تمتلك أي سند، وسندها الحقيقي هو القانون..
- سماح الشغدري
كاتبة وشاعرة من اليمن - صورة الكاتبة لـ Irina linke
- Image by Gerd Altmann from Pixabay