دخلت مع صديقي إلى مطعم عربي في هامبورغ قبل مدة ليست بقصيرة، المهم طلبنا الفتة والحمص والفلافل وباقي الحباشات! للأمانة كان الطعام جيداً، يشبه إلى حدٍ ما جودته في برلين! إلى جانب طاولتنا جلس زوجان ألمان يتلذذان بطبق البابا غنوج! بدا لي أنهما زبونان دائمان في هذا المطعم. تابعنا التحدث والأكل، بينما أنهى الزوجان طعامهما وطلبا الحساب.. لحظات وعاد النادل بصندوق موزاييك وضعت فيه الفاتورة، دفع الزوج الحساب وغادرا المطعم.
كنت أتحدث مع صديقي عن نظافة المطعم وأناقته، وتلك السيوف التي علقت في صدره، والأرابيسك على الجدران، لا بأس في تصميمه، الخشب المعتق يضفي جمالاً ويفتح النفس! انتهينا من تناول طعامنا وطلبنا الحساب، جاء نفس النادل يحمل الفاتورة بيده وأعطاني إياها! للحظة وعلى رأس لساني كنت سأسله أين الصندوق الموزاييك؟ يبدو أن الزبائن هنا فتة، لكن شي بسمنة وشي بزيت! توقفت بعد أن توقعت الرد المتعلق بالمونة وأهلين بولاد البلاد ومن هالعلاك المصدي! دفعت الحساب مع البقشيش وحمدت الله أن النادل أحضر الفاتورة الورقية ولم يخبرني بالحساب شفهياً!
على العموم هذا الموقف البسيط ربما يكون مقياساً لتعامل أصحاب المطاعم والمحلات العربية مع الزبائن من أبناء جلدتهم، قد يحتاج هؤلاء لتدليل الزبون الألماني حتى يعود إليهم مجدداً، بينما لا يقومون بذلك مع زبائنهم العرب، فالزبون العربي عميل مضمون ولا بد من عودته! لكن هذا ليس الحال مع الجميع، فأنا وغيري كُثر لا ندخل مكاناً عوملنا فيه بتمييز مرة أخرى، سواء كان من عرب أو ألمان! ثم أنني وغيري ندفع ثمن مشترياتنا ومأكولاتنا تماماً كالزبائن الألمان، فلماذا إذاً يقوم هؤلاء المطعمجية أو التجار بالتمييز والتعامل معنا بأريحية ومونة! يا أخي لا تتعامل معي بالمونة، تعامل معي على أني قيمة مالية ستأخذها مقابل خدماتك بغض النظر عن كوني عربي أو ألماني أو من المريخ!
لا يحدث ذلك في المطاعم أو المتاجر الألمانية مع الزبائن الأجانب إلا من الموظف العنصري، ويمكن للزبون تقديم شكوى بحق البائع إن تعامل معه بعنصرية أو تمييز! الأمر يختلف في المتاجر العربية، فهم لا يقيمون وزناً للزبون الناطق بلسانهم، أو هكذا البعض حتى لا نعمم.. لكن ذلك سيء ويدفع كُثر وأنا منهم للمقاطعة. التمييز بهذه الطريقة على تفاهته وصغره، يعكس المزاج العام للتعامل فيما بيننا نحن أبناء الجالية العربية في ألمانيا.
إن كنت بائعاً بمتجر عربي، أو نادلاً في مطعم عربي، أو مدرباً بمدرسة قيادة عربية أو أيا كان، أريد أن أقول لك: نحن زبائن وندفع كغيرنا ولا نأكل أو نشرب أو نلبس على روح أمواتك! إذا كنت لا تعرف التعامل مع الزبائن فدع العمل لغيرك، ولا تأخذني وغيري بمواويل المونة والعتابا والميجانا وولاد البلد وهالهري الفاضي.. الزبون زبون ويدفع مقابل خدمته أو طعامه أو أياً كان ما قدمته له، وإذا كنت تدلل الزبون الألماني ليعود إليك، فعليك أن تدلل الزبون من أبناء جلدتك حتى لا يذهب لغيرك والخيارات البديلة على أبو موزة.. صحيح أننا لن نتخلى عن عاداتنا وذوقنا بالمأكل والمشرب، لكننا بالضرورة نستطيع التخلي عن متجرك أو مطعمك أو أياً كانت خدماتك إذا عاملتنا بتمييز.. والخلود لأبو مسعود!
- لوحة الغلاف للفنان نوح إبراهيم
Illustration: Noah Ibrahim