اجتمعت نساء الحارة قرب منزل جارتنا أم دياب، نحن الأطفال من الذكور كان يمكننا حضور هذه الجلسات دون أن نشكل حرجاً أو خطراً على أمهاتنا المجتمعن لشرب فنجان قهوة وتبادل الأخبار والثرثرة! فجأة قالت أم محمد: “الحياة لا تطاق، أفكر بالقضاء على أبو محمد والانعتاق منه مرة وإلى الأبد”.. هزت أم دياب رأسها وقالت: “لابد من إيجاد حل للتخلص من رجالنا! إنهم كوابيس يا جماعة”. تمتمت جارتنا أم هيثم وهي تقول: “الله يأخذ صنف الرجال كلهم، والمهم يأخذ أبو هيثم أولهم!”.. شعرت برعب واعتقدت للحظة أنني وقعت في وكر عصابة من النساء الغاضبات.
أم ابراهيم قالت: “لا أسمع منه كلمة حلوة، وإذا نادى علّي بصوت لطيف، أعرف فوراً أنه إما جائع أو يريد كوباً من الشاي”. ضحكت أم محمد وقالت لها: “من حسن حظك أنه يطلبها بصوت لطيف، فزوجي – الله يقصف عمره- يطلب الطعام والشاي وأي شيء آخر وهو يشتم وبعصبية!”. كانت أمي توزع ابتسامتها على الجارات وتتفاعل مع قصص معاناتهن بإيماءات التأثر.
وسط هذه الشكايات والتخطيطات، قالت أم دياب: “ما رأيكن أن نجمع رجالنا جميعاً ونسقيهم الشاي المسموم، وهكذا نتخلص منهم دفعة واحدة”. قالت أم محمد: “زوجي لا يحب جمعات رجال الحارة، إنه بالكاد يلقي التحية على أزواجكم”. أم هيثم رأت أيضاً أنه يصعب جمعهم في مكان واحد وتصفيتهم عبر السم. لا أخفيكم عن حجم الدهشة والرعب الذي عشته في تلك اللحظة، حتى أني توقفت عن تناول حلوى أم دياب، وشعرت بمغص شديد ولم أصدر صوتاً.
وحدها أمي كانت تنظر إلّي من حين لآخر، كانت عيناها تضحكان وبدت تعرف كم كنت مدهوشاً وخائفاً وأرغب أن تنفض الجلسة وأنا على قيد الحياة. قالت أم هيثم: “ما رأيكم أن نسمم أزواجنا اليوم على العشاء بتوقيت واحد وكلاً منا في منزلها”، وأطلقت ضحكة طويلة كان صداها في أذناي كضحكة دراكولا. ضحكت الجارات الأخريات وتباحثن في كيفية استخدام السم وأي السموم أكثر تركيزاً، وكيف سيكون الحي صباح اليوم التالي وكل رجاله أموات، وأخذن يتخيلن الحارة وقد صار أسمها حارة الأرامل، وأخرى قالت حارة المحظوظات أي أنهن نساء محظوظة لوفاة أزواجهن وانعتاقهن بعد طول صبر وإنجاب خمسة إلى سبعة أطفال وسطياً!.
انتهت الجلسة، عدت مع أمي إلى البيت، عندما وصلنا كان وقت الغروب، قالت لي اذهب إلى جدتك وأحضر من عندها جبنة للعشاء! قلت في سري يبدو أنه العشاء الأخير لوالدي. ذهبت لأحضر المطلوب، تساءلت بيني وبين نفسي هل أخبر جدتي عن نية نساء الحارة؟ لكن أمي لم تقل إنها موافقة على العملية، لقد كانت مستمعة طوال الوقت ولم تتأفف ولم تقل شيئاً عن أبي! ترى هل تنوي الانضمام لعصابة الأرامل الغاضبة؟ لم أعرف وقتها وأحضرت الجبنة دون أن أقول كلمة.
مضت السنين ونساء الحارة يجتمعن كل يوم قرب منزل واحدة منهن ويتابعن التخطيط لتصفية أزواجهن، أصبحت كبيراً ولم يعد مرحب بي للمشاركة في تلك الجلسات، أحياناً عندما أقترب لألقي التحية يردونها ويبقين صامتات حتى أغادر. في إحدى المرات قلت لهن: “أعرف قاتل مأجور يمكنه أن يقضي على كل أزواجكم، إذا أردتم الاستعانة بخدماته أخبروني وجهزوا نقودكم”. ضحكت الجارات وقالت لي أم محمد: “أنفقت معظم عمري معه، وتطلب مني أن أنفق نقودي للتخلص منه! هذا جنون ما بعده جنون”.. وضحكنا مطولاً.
بعد فترة ليست بقصيرة توفيت أم محمد وبقي زوجها حياً، لو كان في مقدوري العودة بالزمن، لأخبرتها أن الحياة أثمن من هدرها مع أشخاص لا يستحقون، سعادة الإنسان مصدرها الأول حريته، والحرية قرار..
- أُعد هذا النص للنشر بمجلة “كريسمون” العدد الرابع “طريقي“
Illustration: AHAOK