مع اقتراب فصل الصيف من نهايته، تختتم “مدرسة أمل الصيفية” للصحافة في دمشق مرحلتها الأولى، تاركةً وراءها بصمة أمل رغم التحديات الكبيرة. هذا المشروع الذي ترعاه مؤسسة “أمل نيوز” يهدف إلى تدريب جيل جديد من الصحفيين السوريين على أحدث تقنيات العمل الإعلامي، وبناء مساحة آمنة للحوار وتبادل الأفكار. ورغم الصعوبات المختلفة التي واجهت المدربين، إلا أننا نأمل في مواصلة هذا التدريب المكثف اعتباراً من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مع تقديم طلب للتمويل اللازم.
تحديات السفر وتأثيرها على التدريب

خالد العبود يتواصل مع المشاركين عبر الانترنيت
أحد أبرز التحديات التي واجهت المدرسة الصيفية هو عدم تمكن المدرب خالد العبود، المقيم في ألمانيا، من السفر إلى سوريا. فرغم أن عمله في هذا المشروع يُعد جزءًا من جهود إعادة الإعمار في سوريا. إلا أن الحكومة الألمانية لم تتخذ أي ترتيبات تسمح للسوريين الحاصلين على حق اللجوء بالسفر، خوفًا من تأثير ذلك على وضع إقامتهم.
هذا الأمر جعل خالد يعتمد على التدريب عبر الإنترنت، وهو ما يشكل صعوبة إضافية بسبب عدم استقرار شبكة الإنترنت في سوريا وكثرة انقطاع التيار الكهربائي. وصف خالد العبود الأيام التي قضاها بأنها “أسرع خمسة أيام مرّت منذ 10 سنوات”. مبرزًا الشغف الذي رآه في عيون المتدربين. كما دربهم على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الصحافة وأخلاقيات التعامل معها.
بيئة آمنة للإبداع والحوار

أثناء زيارة الفريق لوكالة الأنباء السورية سانا
على الرغم من هذه الصعوبات، فقد نجح كل من مؤسسة منصة أمل يوليا غيرلاخ ومدير المشروع عبد الرحمن عمرين ومديرة التدريب أملود الأمير في خلق بيئة مثالية للمشاركين. إذ شعروا بالثقة والأمان للتعبير عن أفكارهم وهواجسهم. هذه البيئة الإيجابية ساهمت في بناء الجسور وفهم الآخر وتبادل المعرفة بين المشاركين من مختلف الخلفيات الفكرية والثقافية. وقد ركزت أملود الأمير، في تدريباتها على مهارات الكتابة للصور وتقنيات إجراء المقابلات. كما سلطت الضوء على أهمية دمج هذه المهارات في إطار صحافة السلام الحساسة للنزاعات، لضمان إنتاج محتوى إعلامي يتسم بالحيادية والمسؤولية.
من جانبه، أشرف عبد الرحمن عمرين على تدريب المشاركين على أساسيات كتابة الخبر الصحفي، وصناعة التقارير المعمقة (الفيتشر)، وغيرها من المهارات الإعلامية. وقد وصف هذه التجربة بأنها عملية تشاركية بين جميع الأطراف، لا سيما أن المدربين أقاموا بعيدًا عن سوريا لفترات طويلة. وقد بذل عبد الرحمن جهدًا جبارًا ببقائه طوال فترة التدريب التي امتدت لتسعة أسابيع إلى جانب المشاركين والمشاركات في سوريا، مما أضفى بعدًا إضافيًا من الالتزام والدعم على المشروع.
انطباعات المدربين: شغف وأمل في الصحافة السورية

أثناء قيام الفريق برحلة إلى نبع الفيجة
قدم المدربون المشاركون في “مدرسة أمل الصيفية” رؤى ثاقبة حول تجربتهم، مؤكدين على أهمية هذا المشروع في ظل الظروف الراهنة.
هيفاء عطفة، التي ركزت على الصياغة اللغوية والأخطاء الصحفية الشائعة، الكتابة الرشيقة والتعليق الصوتي، عبرت عن شعورها بـ “جدوى” عملها، مشيرة إلى أن المتدربين منحوها إحساسًا بالأمل والدفء. سواء من حيث رغبتهم بتعلّم كلّ جديد أو ذلك الجو الاجتماعي الودود بينهم “على اختلاف أفكارهم وتنوع بيئاتهم”.

أثناء قيام الفريق بتصوير تقرير لهم في الشام القديمة (خان أسعد باشا)
روني درويش وسوزان نصري أشرفا على التدريبات العملية في صناعة التقارير المصورة وإنتاج الفيديو لمنصات التواصل الاجتماعي. وقدّم روني تدريباً على تقنيات التصوير المختلفة باستخدام الهاتف المحمول، أساسيات المونتاج باستخدام CapCut. وشرح منهجية العمل السليمة في المراحل الثلاث الأساسية للإنتاج الإعلامي: ما قبل الإنتاج، التصوير الميداني، وما بعد الإنتاج. قام كلٌّ من روني وسوزان بتقسيم المشاركين إلى فرق عمل.
روني أشار إلى أهمية العمل الجماعي وتوزيع المهام، فيما أكدت سوزان على وجود جيل يتمتع بـ “قدرات كبيرة وطاقة عالية” ورغبة قوية في التعلم. وتضيف سوزان: من خلال مشاركتي لأول مرة كمدرّبة، حققتُ فائدة كبيرة على الصعيدين المهني والشخصي. تعلّمت كيف أنقل المعرفة بأسلوب مبسّط وفعّال، وكيف أتعامل مع مشاركين ومشاركات من خلفيات واهتمامات صحفية مختلفة.

أثناء تعلم الفريق استخدام الكروما في الأستوديو
هيثم أبو طالب تناول قضية الأخبار الزائفة والمضللة، مشددًا على ضرورة تدريب الصحفيين على آليات التحقق من المحتوى. وذكر أن المشاركين قاموا باستقصاء ميداني كشف عن مدى سهولة تصديق الأخبار الزائفة وانتشارها بين الناس. وعلى مدار أسبوع كامل، قام المشاركون بتحليل عدد كبير من الأخبار والصور المزيفة. واطّلعوا على أبرز تقنيات التلاعب بالمحتوى والصورة، بما في ذلك استخدام البحث العكسي كوسيلة فعالة للتحقق من الصور ومصدرها الأصلي.
استمرار المشروع وتطلعات المستقبل
في النهاية يوليا غيرلاخ تقول: انتهى الصيف ونحتفل بنهاية المدرسة الصيفية. ولكن مشروعنا يجب أن يستمر. لقد وجدنا أن تسعة أسابيع من التدريب ليست كافية ونريد إنشاء مكتب تحرير تعليمي في دمشق (بشرط أن نحصل على التمويل لذلك). على غرار مدارس الصحافة الألمانية ، سيكون هناك مزيج من التدريب والعمل الصحفي.
تجربتنا في ” مدرسة أمل الصيفية” تعكس مدى أهمية التدريب الصحفي المتخصص في سوريا، ومساهمته في إعداد جيل جديد من الإعلاميين القادرين على بناء صحافة حرة وموضوعية، بعيدة عن التضليل أو التملق، حتى في ظل أصعب الظروف.