خرسانة تبرد نفسها: ابتكار عالمي قد يُنهي عصر المكيفات Photo: Canva Pro /الصورة رمزية
22. أغسطس 2025

خرسانة تبرد نفسها: ابتكار عالمي قد يُنهي عصر المكيفات

يعاني سكان المنازل المبنية بالخرسانة من ارتفاع درجات الحرارة داخل بيوتهم في الصيف، كون الخرسانة، تخزن الحرارة، وتزيد من ظاهرة فرط السخونة. لكن فريقاً بحثياً طوّر نوعاً جديداً من الخرسانة قد يكون حلاً لهذه المشكلة. النوع الجديد اسمه “الخرسانة فائقة التبريد” (Supercool Cement)، وهي قادرة على عكس أشعة الشمس بفعالية عالية، بحيث تبقي المباني باردة، من دون الحاجة إلى أجهزة التكييف. يُشار إلى أن نتائج هذا البحث نُشرت في دورية Science العلمية وهي واحد من أعرق وأشهر المجلات العلمية  في العالم، وتصدر منذ عام 1880 عن الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم.

بلّورات صغيرة تعمل كمرايا

يكمن سر البرودة، في سطح الخرسانة. فأثناء تصلبها تتشكل بلّورات دقيقة تُعرف باسم “Ettringite”. وفي التقنية الجديدة يتم تغليف الخرسانة بطبقة خاصة، وتحت ضغط منخفض تتكون فراغات صغيرة تغطيها هذه البلورات، فتعمل كمرايا مجهرية تعكس 96% من أشعة الشمس.
وفي تجربة ميدانية على سطح مبنى بدرجة حرارة خارجية بلغت 38 درجة، بقي سطح الخرسانة الجديدة أبرد بخمس درجات من الهواء المحيط، في حين ارتفعت حرارة الخرسانة العادية إلى نحو 60 درجة!

الأهم أن هذا النوع من الخرسانة لا تعكس الطاقة نحو الغلاف الجوي فقط، بل تُعيد جزءاً منها مباشرة إلى الفضاء عبر ما يُسمى “النافذة الجوية”، وهي نطاق من الأطوال الموجية التي تمر دون امتصاص كبير عبر الغلاف الجوي. وهذه الأطوال بحسب البروفيسور إدواردوس كويندرس، مدير معهد مواد البناء في جامعة دارمشتات التقنية، “يمكن التحكم بها بحيث تصل مباشرة إلى تلك النافذة”.

ووفق كويندرس، يمكن أن تؤدي التقنية الجديدة، في حال توفر الظروف المثالية لها، إلى خفض حرارة المبنى بين 10 و15 درجة. وقد شارك كويندرس سابقاً في مشروع أوروبي مشابه باسم Miracle نتج عنه ثلاث براءات اختراع.

استخدامات متعددة من الأسطح إلى الطرق

بدوره يرى الفريق البحثي أن تصنيع هذا النوع من الخرسانة قابل للتطور بسهولة، ما يجعله مناسباً ليس فقط للبناء الجديد، بل أيضاً لتجديد المباني الموجودة أصلاً من خلال الأسطح والواجهات الأمامية للمبنى وحتى الطرق. ويوضح كويندرس أنه يمكن استخدام هذه الخرسانة لاحقاً على الأسطح المكشوفة للشمس، مثل الأسقف، ليكون أكثر فاعلية”. كما طّورت نسخ ملوّنة من الخرسانة، ورغم إضافة الأصباغ ظلت تعكس أكثر من 90% من أشعة الشمس.

مكاسب مناخية وتراجع في انبعاثات الكربون

النماذج الحسابية أظهرت أن الخرسانة الجديدة يمكن أن تساهم في خفض درجات الحرارة داخل المدن بشكل ملموس. إضافة إلى ذلك، تحقق التقنية وفراً بيئياً: إذ يُنتج تصنيعها 25% أقل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالخرسانة التقليدية، بفضل انخفاض حرارة التصنيع. وعلى مدى دورة حياة تمتد لـ70 عاماً، توفر هذه الخرسانة كمية من انبعاثات الكربون تفوق ما تطلقه أثناء الإنتاج. وفي المناخات الحارة قد تحقق حتى رصيد كربوني سالب.

متى تصل إلى الأسواق؟

في إسبانيا، بدأت شركة PhotoKrete بالفعل العمل على تطوير الخرسانة المبردة. ويؤكد كويندرس أن “شركات دولية كبرى أبدت اهتماماً كبيراً في المشروع”، مشيراً إلى أن التحدي الآن هو كيفية طرح المنتج تجارياً.

ويبدو متفائلاً بشأن سرعة الانتشار، خصوصاً في مناطق البحر المتوسط والمناطق المشمسة قليلة الغيوم، حيث تكون الاستفادة من الانعكاس والإشعاع الحراري في أقصاها. أما في دول مثل ألمانيا، فلا بد من حلول إضافية لفصل الشتاء حين تحتاج المباني إلى الاحتفاظ بالحرارة، مثل استخدام طبقات عازلة إضافية.

ومع تسارع آثار التغير المناخي، يزداد وضوح الحاجة إلى تقنيات مثل “الخرسانة فائقة التبريد” كجزء من حلول مستقبلية للتكيف مع البيئات الحضرية الأكثر سخونة.

 

Amal, Hamburg!
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.