عندما قررت المصورة والصحفية Sina Opalka وعدستها التي تروي الحكايات زيارة مدينة ماردين التركية في سبتمبر الماضي. لم تكن الزيارة مجرّد مهمة عمل، بل حملت في طيّاتها أبعاداً شخصية. “سمعت عن مهرجان Flying Carpet لأول مرة قبل ثلاث أو أربع سنوات، عندما بدأت أبحث في أصولي، فوالدي من بلدة مديات، جنوب شرق تركيا، لم أكن قد زرتها من قبل. وخلال بحثي، وجدت هذا المهرجان وفكرت فوراً: واو، هذا يبدو جميلاً جداً”.
هذه الرغبة الشخصية تقاطعت مع فرصة مهنية، لتوثّق بعدسة كاميرتها مهرجاناً استثنائياً يُقام في واحدة من أكثر المناطق الجغرافية حساسية، على حدود سوريا، في مدينة ماردين التاريخية.

Flying Carpet
مهرجان للفن على أطراف النزاع

Flying Carpet
ومهرجان هو مشروع تطوعي تأسس قبل نحو سبع أو ثماني سنوات على يد الملحن والمعلم الإيراني الأمريكي صاحبا أمينيكيا بالشراكة مع الفنانة بينار ديميرال. وكان الهدف منه تقديم عروض موسيقية وفنية وأدائية للأطفال، خاصة أولئك المتأثرين بالنزاعات والنزوح القسري.
“هو لقاء كبير يجمع فنانين من مختلف أنحاء العالم، يسافرون لمدة عشرة أيام إلى أماكن مختلفة على الحدود السورية، ويقدمون عروضاً مسائية من موسيقى ورقص وفنون أدائية. وخلال النهار، يشارك الأطفال المحليون، وبينهم الكثير من اللاجئين السوريين، في ورش العمل”. وبالنسبة للأطفال، فإن التجربة ليست ترفيهاً عابراً، بل نافذة إلى عالم لم يروه من قبل. “غالباً ما تكون هذه المرة الأولى التي يشاهدون فيها عروضاً فنية حية. عشرة أيام من الفرح والموسيقى والرقص، مثل القصص الخيالية تماماً”.
التحديات الأمنية والتنظيمية
رغم الطابع الإنساني والفني البحت للمهرجان، إلا أن تنظيمه ليس بالأمر السهل، خاصة في ظل الاعتبارات الأمنية المتغيرة. “لم تكن هناك مشاكل مباشرة معي، لكن أعلم أن صاحبا وبينار يضطران كل عام للحصول على تصاريح من السلطات في كل مدينة يزورونها. أحياناً تأتي الموافقة قبل الفعالية بيوم واحد فقط، لأسباب أمنية أو بيروقراطية”. ورغم كل شيء، يتمكن القائمون على المهرجان من تجاوز تلك التحديات عاماً بعد عام، بفضل إصرارهم وإيمانهم بالرسالة.
مشاريع Sina Opalka وطابعها الإنساني

لبنان
لم يكن مهرجان ماردين المحطة الوحيدة في مسيرة سينا الفنية فهي مصورة فوتوغرافية ووثائقية ولديها اهتمام كبير بالناس والبيئة. تعمل مع العديد من العديد من الصحف والمواقع منها مجلة SZ وSüddeutsche Zeitung. بالإضافة إلى مشاريعها الخاصة كعملها في عدة دول من الشرق الأوسط. “في ديسمبر كنت في فلسطين لأربعة أسابيع، وصورت عن بيت لحم والمسيحيين الفلسطينيين، ومواضيع الميلاد هناك”.
ولأن أعمالها تحمل بعداً إنسانياً تعمل أيضاً على مشروع طويل الأمد عن السجون. غير أنها لا توثّق في عملها هذا حياة السجناء، وإنما اختارت أن توثّق حياة عائلاتهم وأحبائهم وتأثير ذلك عليهم. “أوثّق حياة السجناء، وأقاربهم، وكذلك ضحايا الجرائم. صورت في ألمانيا وبولندا وهولندا، وأخطط للتصوير في أمريكا ومالطا هذا العام”.

Palästina
من ماردين إلى برلين وهامبورغ
أما الآن فتحضّر Sina لتشارك ضمن فعالية Jive وتقدّم عملها على المسرح.”قبل عدة أشهر، التقيت صدفة بـ كريستين لير في فعالية أدبية، وعرضت عليّ المشاركة في ذلك المشروع. فأرسلت لها تقريري عن مهرجان Flying Cup، الذي أعجبها، ودعتني لأكون من بين الصحفيات المشاركات في العرض المسرحي”.
وتُقام الفعالية في كلّ من برلين وهامبورغ، حيث تعرض Sina تقريرها كجزء من عرض صحافي حيّ، تصاحبه أوركسترا Stegreif للارتجال الموسيقي الحائزة على عدة جوائز. سيكون العرض في برلين 6.14 وفي هامبورغ 6.18.
رسالة المهرجان: الفرح مسؤولية جماعية
ما الذي يجعل هذا المشروع بهذه الأهمية؟ تجيب سينا بلا تردد: “من المهم جداً أن يعرف أكبر عدد ممكن من الناس عن هذا المهرجان، لأنه يسعى ببساطة لإسعاد الأطفال. وهذا هدف عظيم. فالكثير من الأطفال في المناطق المتضررة لا يحظون بأي فرصة للترفيه أو التعبير. المهرجان يعتمد على التبرعات، لذا من الضروري أن يعرفه الناس لدعمه واستمراره”.
هي تؤمن بأن الفنون قادرة على بناء جسور الأمل، وأن الأطفال يذكّروننا دائماً بما فقدناه من بساطة وفرح. “اللعب، الحرية، السعادة.. الأطفال يذكّروننا بأن الجمال موجود في التفاصيل الصغيرة. يجب أن نمنح أنفسنا أيضاً فرصة اللعب، وأن نمنحهم بدورهم لحظات لا تُنسى”.