90 يوم في دمشق.. الحكاية من البداية! Foto: Abdolrahman Omaren
9. نوفمبر 2025

90 يوم في دمشق.. الحكاية من البداية!

ثلاثة أشهر متواصلة من الشهر السابع وحتى الشهر العاشر هذه السنة! إنها أطول فترة أقضيها في مدينتي دمشق التي غادرتها عام 2010 وامتدت غربتي القسرية عنها 15 سنة. حالي كحال ملايين السوريين والسوريات، الذين شردهم نظام الأسد البائد في بلاد الله الواسعة. هذه المدة الطويلة كانت كفيلة بالنسبة لي كعائد من ألمانيا، لملاحظة التحولات التي تشهدها دمشق بشكلٍ خاص، وهي تحولات أراها إيجابية إلى حدٍ كبير، ما كنت لأتخيل حدوثها حتى في المنام!

صحيح أن الشام منهكة ككل المدن السورية الأخرى التي عاس فيها النظام البائد قتلاً وتدميرًا، لكنها رغم ذلك تتلمس خطاها نحو التعافي منذ 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 وحتى الغد وبعده.. كل يومٍ عن يوم، تتغير المدينة وسكانها، تتطهر رويدًا رويدًا من رجس أعتى الأنظمة الشمولية في المنطقة والعالم، النظام الطائفي الدموي الذي أسسه الديكتاتور الراحل حافظ الأسد مطلع سبعينيات القرن الماضي.

في سرفيس مهاجرين صناعة، جلس خلفي شخص يتحدث بصوت مرتفع على الموبايل، ربما مع صديقه، كان ممتعضًا إلى حدٍ كبير، ينتقد أداء الحكومة السورية “خاصة وزارة الطاقة”، وأنه لا يملك المال لشراء منظومة طاقة شمسية، وجنون الدولار، وحاجته لمغادرة البلد، والإيجارات الكاوية، وفوضى المرور.. كل موضوع من المواضيع التي تحدث بها، كان كافيًا لأن يخفيه وراء الشمس في العهد البائد! كلام هذا الشخص ليس استثناء، أينما تذهب تجد الناس يتحدثون عن الأوضاع السياسية، دون تلفت أو همس، يتحدثون بأريحية كبيرة، نقد ومدح وتفاؤل وتشاؤم.. كوكتيل سوري عجيب!

لم يعد للحيطان “أدان”، وفي مناطق عديدة ليس هناك حيطان أساسًا ولا سقف! مشاهد الدمار المروعة في ضواحي دمشق تفطر القلب.. تجولت في مخيم اليرموك وفلسطين ويلدا وحي التضامن، ثم ذهبت إلى جوبر والمعضمية وداريا. كلها مناطق ثائرة نالت نصيبها من براميل الأسد الهارب وطيرانه الغاشم..

أكوام الركام بارتفاع هضاب، شيء لا يمكن لصورة أو وصف أن يعطيه حقه من البشاعة! شيء يجعل اليأس يتسلل إلى القلب: متى سيزاح كل هذا الركام، ومتى ستنهض الأبنية الجديدة. والأهم من ذلك: هل سيعود أهل الدار، أو على الأقل من بقي منهم على قيد الحياة؟ وسط هذه الفوضى، ستجد أحدهم عاد ورمم شقته في بناءٍ متهالك وسكنها! ستقول في سرك: “شو هالمجنون، مو خايف تهر البناية عليه!”، لكن ربما إن وضعت نفسك مكانه ستفعل مثله!

في كل مكان تقريبًا، هناك بقايا مقرفة من العهد البائد تقفز أمام وجهك فتسبب لك “لعيان نفس”، قول للمقبور الخالد لم يمحَ بعد، أو صورة له أو لوريثه بالإجرام أو رايتهما الملطخة بدمائنا. هناك إهمال في هذه الناحية، لكنها للأمانة ليست مهمة سهلة! أذكر عندما كنت طفلاً، شاهدت منحوتة حرف الحاء (ح) في أول أوتوستراد المزة. أول كلمة تبدأ بحرف الحاء خطرت على بالي حينها كلمة “حمار”! رددتها وأنا أشير إلى المنحوتة بإصبعي، فأغلق المرحوم أبي فمي حتى كاد يخنقني! لحسن الحظ لم ينتبه أحد للسيرة.. لم أفهم آنذاك الموقف المرعب، فالحرف يشير إلى اسم حافظ الأسد! ما علينا، الحاء ما زال موجودًا بمكانه، وفي شوارع أخرى من الشام إلى الآن!

وللحديث بقية..

Amal, Hamburg!
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.