عبارة “Stadtbild” تثير عاصفة في ألمانيا: هل قصد ميرتس المهاجرين؟ Photo: Lilli Förter/dpa
23. أكتوبر 2025

عبارة “Stadtbild” تثير عاصفة في ألمانيا: هل قصد ميرتس المهاجرين؟

في زيارة رسمية إلى ولاية براندنبورغ، قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إنّ الحكومة “أحرزت تقدّماً في سياسة الهجرة”، لكنه أضاف: “ما زال لدينا مشكلة في صورة المدينة”، مشيراً إلى أن وزير الداخلية يعمل حالياً “بقدرات كبيرة على الترحيل”. غير أن عبارة “صورة المدينة” (Stadtbild) فجّرت جدلاً سياسياً واجتماعياً واسعاً، إذ رآها كثيرون إشارةً مشحونة تُشيّئ المهاجرين وتربط وجودهم بمشكلة “النظافة” أو “الأمان” في الفضاء العام.

ما المقصود فعلاً بـ “صورة المدينة”؟

توضح المحللة السياسية ياسمين ريدل في حديثها إلى قناة ZDF أنّ المصطلح في هذا السياق لا يشير إلى المباني أو المظهر الحضري فقط، بل يحمل دلالة رمزية على “رجالٍ شباب غير ألمان” يغيّرون ما يُرى في الشارع ويثيرون شعوراً بعدم الأمان. في المقابل، اعتبر منتقدون هذا التوصيف لغةً انتخابية مشحونة تستهدف كسب الناخبين المحافظين، وتعيد إنتاج فكرة “المدينة النظيفة” التي تخلو من الغرباء، في استدعاء واضح لخطاب اليمين الشعبوي في ألمانيا.

عريضة نسوية وانتقادات من داخل الحزب

ردود الفعل لم تتأخر. فقد أطلقت ناشطات عريضة إلكترونية بعنوان “Wir sind die Töchter” (نحن البنات) جمعت أكثر من 100 ألف توقيع خلال أقل من 24 ساعة، تطالب ميرتس بالاعتذار عن تصريحاته. حتى داخل الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU)، ارتفعت أصوات منتقدة. فقد حذّر رئيس الجناح الاجتماعي في الحزب دينيس رادتكه من أن اللغة المستخدمة “تضعف التماسك الاجتماعي ولا تساعد في معالجة القضايا الحقيقية”، بحسب صحيفة فيلت. لكن في المقابل، دافع سياسيون من الحزب نفسه مثل ينس شبان عن ميرتس، قائلين إنه “عبّر فقط عمّا يراه في بعض محطات المدن الكبرى من تدهور مرتبط بالهجرة غير النظامية”.

حين يتحدث الواقع بلغة مختلفة

الاختبار الحقيقي لمثل هذه التصريحات يكمن في البيانات لا في الانطباعات. فوفقاً لتقارير برلينر مورغنبوست، ارتفعت بعض أنواع الجرائم في الأماكن العامة منذ عام 2021، وكان الشباب — ألماناً وأجانب — جزءاً من هذه الظاهرة. إلا أنّ الربط التلقائي بين المهاجرين والجريمة يوصف من قبل باحثين بأنه “صافرة كلب” (Dog Whistle)، أي رسالة مشفّرة تخاطب الغرائز السياسية أكثر مما تقدّم حلاً فعلياً. كما تشير دراسات جنائية إلى أن أغلب حالات العنف، وخصوصاً ضد النساء، تقع داخل الأسر وليس في “المدينة الخارجية” التي يصوّرها الخطاب الشعبوي.

كيف يمكن تهدئة النقاش وبناء الثقة؟

تحتاج القيادة السياسية إلى توضيح ما تعنيه تماماً بـ “صورة المدينة”، لتفادي التأويلات التي تغذي الانقسام. ويُستحسن أن يتحوّل النقاش من الرموز السياسية إلى الإجراءات العملية: دعم سياسات الاندماج، تحسين الإضاءة في الفضاءات العامة، وتوفير فرص للشباب في الأحياء الهامشية. كما أن مطابقة التصريحات مع الواقع الإحصائي ضرورة لا بدّ منها. فالربط بين المهاجرين والجرائم يحتاج إلى أدلة دقيقة، لا إلى خطابات عاطفية. إن بناء شعور مشترك بالمواطنة والانتماء أهم بكثير من السجال حول “من ينتمي إلى صورة المدينة ومن لا ينتمي إليها”.

مدينة لكل من يسهم في صنعها

لم تكن عبارة “صورة المدينة” مجرد زلة لسان، بل فتحت باباً لسؤال أعمق عن الهوية، والأمن، والانتماء في ألمانيا. كيف نرسم مدينة يشعر فيها الجميع بالأمان؟ وكيف نحافظ على تنوعها دون فقدان التماسك؟ بين هذين السؤالين، تقف ألمانيا اليوم عند مفترق طرق بين رؤية تُقصي، وأخرى تُعيد تعريف المدينة كمكان يتسع للجميع.

Amal, Hamburg!
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.