قال وزير الدفاع الاتحادي بوريس بيستوريوس في مقابلة مع صحيفة زود دويتشه دون أن يخفي انزعاجه: “قرعة التجنيد لم تكن فكرتي أساسًا، بل كانت فكرة الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي”. فبعد قرابة 15 عامًا من تعليق التجنيد الإجباري العام في ألمانيا، هل سيُطبّق التجنيد الإجباري بنظام القرعة؟
القرعة = الخيار والفقوس!
اتخاذ قرار عشوائي بشأن قضايا مصيرية، مثل تحديد من يستحق التجنيد الإجباري والخدمة العسكرية ومن لا يستحق عبر قرعة، هو أمر تجاوز الحدود بالنسبة للكثيرين في الحزب الاجتماعي الديمقراطي. ورغم التوصل إلى اتفاق سياسي مبدئي، أُلغي مؤتمر صحفي كان مقررًا أمس لعرض الخطة، بسبب المعارضة الداخلية الواسعة لأعضاء كتلة SPD البرلمانية. وقال هؤلاء: “يمكن إجراء قرعة لاختيار أماكن في دور الحضانة، لكن لا يمكن تحديد من يجب أن ينضم إلى الجيش الألماني ومن لا يجب بالقرعة”.
منذ أسابيع، تجري مفاوضات داخلية حول ما يجب فعله في حال عدم تطوع عدد كافٍ من الشباب للخدمة العسكرية لتحقيق الهدف المتوسط المدى المتمثل في 260 ألف جندي و200 ألف جندي احتياطي على الأقل. ومؤخرًا، برزت الدنمارك كمثال، بنظام قرعة التجنيد لديها، وتريد ألمانيا تقليدها!
تجند أو ادفع غرامةَ!
كان من المخطط بداية عام ٢٠٢٦، أن يتواصل الجيش الألماني مع جميع الشباب البالغين من العمر ١٨ عامًا، أي كل من وُلدوا بعد عام ٢٠٠٨. وسيشمل الاستبيان مستوى تعليمهم ولياقتهم البدنية واستعدادهم لأداء ستة أشهر على الأقل من الخدمة العسكرية. ويجب على هؤلاء الاستجابة، وإلا سيواجهون غرامة؛ أما النساء، فيمكنهن الرفض، إذ لا يوجد حاليًا تجنيد عسكري عام لهن.
وكان مخططًا أيضَا استدعاء عدد من الرجال للتجنيد الإجباري، دون تحديد الرقم. وسيُختار هؤلاء بالقرعة إذا لم يتقدم عدد كافٍ من المتطوعين! وكان الأمل أن تُقنع مقابلة شخصية أثناء التجنيد المزيد من الشباب بالتفكير بالخدمة العسكرية، بما في ذلك راتب جيد يبلغ حوالي 2300 يورو صافي. من ناحية أخرى، أراد بيستوريوس تجنيد جميع الشباب، بحد أقصى 300 ألف شاب سنويًا كإجراء وقائي، بحيث تكون الجاهزية العسكرية عالية عند حدوث أزمة أو حالة دفاع.
ستخدم يعني ستخدم!
في النموذج الجديد، من المفترض أن يُطبّق التجنيد الإلزامي الجزئي بالمرحلة الثالثة في حال عدم تحقيق الأعداد المستهدفة للخدمة العسكرية بشكل تطوعي. على سبيل المثال، إذا كان هناك حاجة إلى 30 ألف متطوع سنويًا، ولم يلتحق سوى 20 ألفًا، ولم تُشجع مقابلات التطوع عددًا كافيًا من الشباب للالتحاق بالجيش، فسيتم تجنيد 10 آلاف آخرين بنظام القرعة. ومن سيرفض الالتحاق بالخدمة العسكرية -مع استمرار حقه بالاعتراض- سيُضطر على الأرجح إلى أداء خدمة مجتمعية بديلة.
الحاجة تبرر الإلزامية!
مع ذلك، كان تفعيل نظام القرعة للتجنيد العسكري يتطلب موافقة مستقلة من البوندستاغ، نظرًا لقرار الحزب الاجتماعي الديمقراطي بعدم جعل المسألة حزمة واحدة. يُطلق حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي على هذا الأمر اسم “الخدمة العسكرية القائمة على الحاجة”.
الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي طلبا رأيًا قانونيًا بشأن نظام قرعة التجنيد من قاضي المحكمة الدستورية السابق، أودو دي فابيو، الذي قال إن نظام القرعة قد يكون مسموحًا به لكل من الفحص الطبي والتجنيد الإجباري في الخدمة العسكرية. ومع ذلك، هناك أيضًا حكم صادر عن المحكمة الدستورية الاتحادية عام ١٩٧٨، يفيد بأن الخدمة العسكرية الأساسية تتدخل بشكل كبير بالحياة الشخصية للأفراد، ولضمان المساواة المدنية والعدالة العسكرية، من الضروري ألا يُنفذ التجنيد الإجباري بشكل تعسفي.
هل “قرعة التجنيد” قانونية؟
المحكمة الإدارية الاتحادية قضت عام ٢٠٠٥ بأن مبدأ العدالة العسكرية يفرض استدعاء جميع المجندين المتاحين للخدمة العسكرية. “لذا، لا تُضمن العدالة العسكرية إلا إذا كان عدد من يؤدون الخدمة العسكرية فعليًا يقارب على الأقل عدد المتاحين للخدمة العسكرية وفقًا لأحكام قانون الخدمة العسكرية”. هذا يعني أن التجنيد الإلزامي يُمثل إشكالية دستورية خاصة عندما لا تُجند إلا مجموعة صغيرة نسبيًا.
ليس هناك بديل.. والقرعة مساواة!
لكن قيادة المجموعة البرلمانية للاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي قالت إنه رغم وجود بعض المشككين في قرعة التجنيد، إلا أنه لم يقدم أحد حتى الآن مقترحًا أفضل. زعيم المجموعة الإقليمية للاتحاد الاجتماعي المسيحي، ألكسندر هوفمان، قال إنه يستطيع فهم سبب عدم تعاطف الكثيرين مع نظام اليانصيب العسكري، لكنه يرى أن القرعة ترسخ المساواة، إذ سيتمتع الجميع بنفس فرصة الاختيار. وختم هوفمان بالقول إنه يأمل بأن لا تكون الإجراءات الإلزامية ضرورية وأن تقنع العروض الجيدة عددًا كافيًا من المواطنين الشباب بالتطوع للخدمة العسكرية، من خلال الرواتب المغرية، أو فرصة الحصول على رخصة قيادة، أو فرصة اكتساب مهارات في مجال الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات.. إلخ.
