السكن المشترك في ألمانيا.. بين العزلة وحاجز الاندماج! Image by Gerd Altmann from Pixabay
15. يناير 2023

السكن المشترك في ألمانيا.. بين العزلة وحاجز الاندماج!

تؤرق مسألة السكن المشترك الكثير من القادمين للدراسة والعمل في ألمانيا. خلفيات ثقافية مختلفة تصطدم بواقع عليها أن تُحقق أحلامها فيه. ما لا يقل عن 30% من الدارسين يقيمون في سكن مشترك يطلق عليه (WG)، وهي آتية من كلمة (Wohngemeinschaft). وتعتبر هذه الطريقة أقل كلفة من بين الخيارات المتاحة للبقاء في مكان آمن. إن فكرة السكن المشترك لا تعني العيش في غرفة واحدة، بل التواجد تحت سقف واحد في منزل أو مبنى واسع، ويكون فيها المطبخ والحمام مشترك ساكنين آخرين.

تقسيم المهام والواجبات

تحوي بعض المساكن المشتركة على نظام من الصرامة والوضوح في تقاسم الأعمال وتدوير المهام في أوقات منضبطة ومحددة. لكن ذلك لا يخلو من بعض التفاصيل التي تسبب الإرباك الدائم لظروف غير مسيطر عليها، كالالتزام بغسل الأطباق وأدوات المطبخ، وأعمال النظافة وإخراج النفايات. أضف إلى ذلك السلوكيات غير المتحضرة التي تصدر من البعض، كالتبول وقوفا على مقعد المرحاض، وتفاصيل يومية كثيرة منها ثقافي وقيمي ومنها سلوكي نفسي!

مزيا السكن المشترك

رغم ذلك فالسكن المشترك مفيد، وهو حالة اندماج أولى مع الآخرين، والتزام كامل، وتقليل الشعور بالوحدة إلى أدنى درجة، والانفتاح على الآخر، والتعلُّم السريع عبر ممارسة اللغة، وخلق علاقات إنسانية جوهرية في أساسها، والكسر القوي لنمط العزلة الذي تتسبب به حواجز كثيرة، والحصول على نماذج ملهمة لتجارب مهمة، واستيعاب فكرة النمط الممل للبيروقراطية، والأهم ما في هذا هو تقاسم عبء دفع تكاليف الفواتير مثل الكهرباء والتدفئة، وهو أمرٌ محببٌ لدى الكثير من الألمان.

انعدام الخصوصية!

منذ العام 2015 الذي شهدت فيه ألمانيا الاتحادية لجوء أعداد كبيرة من مواطني دول النزاعات، وعلى وجه الخصوص سوريا وأفغانستان والعراق، يضطر اللاجئ إلى تجربة محطات من السكن المشترك، يصل أولاً إلى مركز إيواء يحتضن أشخاصًا من جنسيات متعددة في ظروف تتسم بانعدام الخصوصية والافتقار إلى الأمان الكامل. وذلك يشكل مصدر قلق بالغ خاصة للنساء، وهن يعانين أكثر من الرجال بالحصول على مسكن مستقل. بيد أن الأمر يختلف بعد الحصول على حق الإقامة، إذ يستطيع الفرد تدبر سكن خاص به، وهو ليس بالأمر السهل، فيكون السكن المشترك WG هو الخيار المتاح.

تجربة اضطرارية!

لمياء من اليمن، تملك تجربة مهمة في السكن المشترك، كونها ولدت وتربت في ألمانيا، إلا أنها اضطرت للانتقال بمفردها إلى مدينة هامبورغ للدراسة، واضطرت إلى السكن في منزل مشترك. لمياء لم تنصدم بجدار الثقافة الأخرى، فهي تعرف تماماً عادات الألمان، غير أنها لم تشعر بالألفة مع المكان، تقول: “على الرغم من كون زملاء المسكن شبان لطيفون ومساعدون، لكنني لم أستطع الاندماج معهم، ويصعب عليّ دخول غرفهم كونهم يتناولون الكحول”. وفي عطلة نهاية الأسبوع كانت تزعجها الأصوات القوية الصادرة عن الحفلات الموسيقية التي تقام بالمنزل. فهي بطبيعتها تنزع نحو الهدوء، ذلك ما جعلها تنتقل إلى سكن جامعي.

تؤكد لمياء أن الخصوصية كانت أمراً جوهرياً. هناك تفكير عملي دائماً لحل بعض الأمور، مثلاً قاموا بابتكار مصباح يضيء بشكل أتوماتيكي إذا خرج أحدهم من غرفته، ذلك يعني أن شخص ما في الخارج ويستلزم عدم إزعاجه واحترام خصوصيته.

اختلاف الثقافات والعادات

أتت سمر من مصر للدراسة في ألمانيا، كان هدفها العملي هو العيش في سكن مشترك، كي تكتسب اللغة بأسرع ما يمكن، سمر ترتدي الحجاب لكنه لم يكن عائقاُ فعلياً أمامها. عاشت أوقاتاً لطيفة، رغم كونها البنت الوحيدة هناك. تسعد سمر بتلك اللحظات التي تدخل فيها المطبخ وتقود روائح طبخها شركائها في السكن إليها، ويكون الأمر مناسباً للحديث معهم عن الوجبة ومكوناتها. رغم اللطف إلا أن أحد المواقف جرح سمر. إذ حاول أحد زملائها نزع الحجاب عن رأسها! بالتأكيد لم يكن أمراً مقصوداً، فهو لا يفهم الخلفية الثقافية، لكن أحد الزملاء قرب له الفكرة. الأمر يشبه “قيام أحد ما باستخدام هاتفك المحمول دون أذن”. هنا سارع إلى الاعتذار بخجل كبير.

تجارب متنوعة

رغد من سوريا تبدو منزعجة جداً من تجربتها، فهي قطعاً لم تشعر بالخصوصية في السكن المشترك! كانت على الدوام تفقد أكلها الذي تضعه في الثلاجة، وفي فترة كورونا، كان بعض الشبان يستقبلون صديقاتهم في غرفهم خلال ذروة الجائحة! وكان ذلك يضيف قلقاً صحياً إضافياً لرغد.

حسناء من العراق كانت تشعر بالخوف من فكرة السكن المشترك، فهي لأول مرة تبتعد عن عائلتها ولم يسبق لها البقاء وحيدة خارج منزلهم، كانت متخوفة جداً أمام هذا العرض، تخاف من فعل شيء خاطئ، أو كسر الحاجز حسب تعبيرها. اضطرت بالنهاية للرضوخ للأمر الواقع، وكانت تجربة جيدة لها، حيث شعرت بالأمان بوجودها مع الاخرين.

أضافت هذه التجربة التوازن الداخلي لحسناء، نجحت في تكوين صداقات مستمرة، كما أن المشاركة العادلة بأعمال التنظيف والترتيب أشعرها بالألفة والاستقرار وبأنها فرد من افراد المجتمع له حقوق وعليه واجبات.