“نفهم أن السلطات الألمانية تحاول التأكيد على تسجيل القادمين وتقديم الحماية لمن يستحقونها، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، فنحن لا نعرف تفاصيل المخطط الألماني لإصلاح نظام اللجوء الأوروبي كما لم يتم توضيح الإجراءات المتبعة”، قالت رئيسة وحدة السياسات والدعم القانوني بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بروكسل، صوفي ماجينيس، تعليقًا على الورقة المقدمة من الحكومة الألمانية لإصلاح نظام اللجوء الأوروبي، وذلك أثناء مشاركتها في نقاش إستضافته منظمة MEDIENDIENST بمناسبة تولي ألمانيا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي بالأول من يوليو/ تموز القادم! ويعد إصلاح نظام اللجوء الأوروبي بمثابة ضرورة، خاصة بعد تبين كارثية نموذج مراكز استقبال اللاجئين باليونان أو ما يطلق عليه نظام Hotspot، والذي ضل سبيله بعد صفقة تركيا- الاتحاد الأوروبي.
كيف ضلت مراكز الاستقبال طريقها
تبدأ القصة مع محاولات إصلاح نظام اللجوء الأوروبي المشترك GEAS، حيث ترتب على تنفيذ ما يعرف بـ EURODAC أو بلد البصمة الأولى وفقًا لاتفاقية دبلن أن دولًا بعينها كإيطاليا واليونان أصبحت ملزمة رسميًا بتنفيذ معظم إجراءات اللجوء وما ترتب عليه من مشكلات، وبناءًا عليه تقدمت المفوضية الأوروبية بمحاولات لإصلاح النظام بمايو/ آيار 2015 من خلال إجرائين، الأول متعلق بإعادة توزيع اللاجئين، والثاني ما يعرف بنهج Hotspot ويهدف لنشر موظفي المؤسسات والوكالات الأوروبية المختلفة، كالوكالة الأوروبية لحرس الحدود، والمكتب الأوروبي لدعم اللجوء EASO ومكتب الشرطة الأوروبية، ووحدة التعاون القضائي بالاتحاد الأوروبي في مراكز الاستقبال لدعم الدول الأعضاء بالاتحاد والمعنية باستقبال اللاجئين، وذلك على أمل أن تؤدي هذه المراكز إلى سرعة التسجيل للتحقق من البصمة كنقاط عبور ثم التوزيع على الدول الأوروبية لتخفيف العبء على الدول الحدودية! في العام التالي مباشرة وفي مارس/ آذار 2016 تم إعلان الصفقة الأوروبية التركية والتي كانت بمثابة المسمار الأول بنعش نقاط العبور، بحسب دراسة قامت بها الباحثة بجامعة جورج أوجست في جوتنجن، فاليريا هانزل، بتكليف من مجلس الهجرة الألماني، حيث تضمن الاتفاق الاوروبي التركي مادة تنص على إعادة كل طالبي اللجوء القادمين عبر تركيا باعتبارها طرف ثالث آمن، أما المسمار الثاني الذي قكان ترحيب المجلس الأوروبي بنهج نقاط الهوت سبوت ووصفه بأنه نظام لإنشاء مخيمات للاجئين على الحدود الخارجية التركية، في حين أن هذه النقاط لم تؤسس لهذا الهدف! ليأتي بعد ذلك مقاطعة المجر وبولندا والتشيك قرار إعادة توزيع حصص اللاجئين في نهايات 2015، لتتحول نقاط العبور بين ليلة وضحاها لمراكز احتجاز غير إنسانية لطالبي اللجوء، خاصة في الجزر اليونانية الخمس التي ركزت عليها الدراسة: ليسبوس وهيوس وساموس وليروس وكوس، والتي تحولت من إلى “مراكز ترحيل” بدلًا من “مراكز استقبال وإعادة توزيع!
كارثة إنسانية ازدادت مع أزمة كورونا
أقر المتحدث باسم المكتب الأوروبي لدعم اللجوء أنيس كسار أثناء مشاركته بالنقاش بسوء الأوضاع ووصفها بغير الإنسانية وغير المثالية، لكنه أصر على أن المشكلة لا تكمن في مراكز العبور نفسها، لأن الأمور لم تسر كما أريد لهذا النهج أن يعمل. وتعد مشكلة هذه المراكز كبيرة لأنها تحولت إلى مراكز احتجاز لطالبي اللجوء، حيث أصبح عليهم البقاء فيها لحين انتهاء إجراءات اللجوء وليس فقط الفحص الأولي، بل أصبحت بمثابة أماكن خارج الحدود الأوروبية يتم ترحيل اللاجئين المرفوضة طلباتهم إليها (وفقًا لصفقة تركيا أوروبا) دون الحصول على حقوقهم في الاستئناف أو إثبات حيثيات طلبهم. طالبي اللجوء عالقين في هذه الجزر لشهور وسنوات محرومين من حقوقهم الأساسية، مع رصد انتهاكات لحقوق الإنسان حيث وصل الأمر إلى حد موت البعض بسبب عدم الحصول على الرعاية الصحية الضرورية في هذه الأماكن بحسب هانزل. من جانبها علقت صوفي ماجينيس على أن هذا الشكل من الاحتجاز مرفوض إلا في الضرورة القصوى، منتقدة احتجاز الأطفال في مثل هذه الأماكن. كما تشير التقارير إلى زيادة الأوضاع سوءًا في ظل انتشار فيروس كورونا، تقول هانزل: “لم أستطع الذهاب بسبب كورونا ولكن التقارير تشير بأن كل شيء كان مغلقًا حتى 21 يونيو/ حزيران، فلم يستطع الناس مغادرة المخيمات كما لم يستطيعوا حتى الحصول على الـ 90 يورو التي اعتادوا الحصول عليها، وبالتالي لم يتمكنوا من الحصول على الطعام والشراب، ناهيك عن العنف الذي دفع بالعديد من العاملين ببعض المنظمات إلى مغادرة الجزر”. كما أثيرت مسألة الهجوم على اللاجئين في الجزر من قبل ملثمين، والتي أجاب عليها بعض المختصين بأن القضية قيد التحقيق لدى الحكومة اليونانية.
الورقة الألمانية والإجابات السهلة
تقول ورقة الحكومة الألمانية بتسريع العملية بكفاءة من خلال ترتيب إجراءات اللجوء في خطوات ثلاث وهي الفحص التمهيدي، والقرار المتعلق بالمسؤولية ثم تنفيذ إجراءات اللجوء، وهو ما انتقدته الورقة البحثية التي ارتأت أن خطوات الحكومة الألمانية الثلاث محكوم عليه بالفشل وستؤدي لزيادة اعتقال طالبي اللجوء على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، كما رأت ماجينيس إعادة القادمين من تركيا إليها، باعتبارها ممر آمن، هو من قبيل الإجابات السهلة! فالاتحاد الأوروبي لا يقوم بأية متابعة لضمان سلامة أولئك الذين تتم إعادتهم إلى تركيا، كما أن عملية الترحيل نفسها مسألة ليست بسيطة وتحتاج وقت، وهو ما يؤدي إلى إطالة مدة احتجاز طالبي اللجوء على الحدود، بالإضافة إلى ذلك أظهرت الدراسة التي قامت بها فاليريا هانزل عدم فعالية الترحيل بالأساس، حيث يصل إلى الجزر اليونانية أعداد أكبر بكثير من تلك التي يتم ترحيلها، فمنذ إعلان الصفقة التركية الأوروبية 2016 إلى نهاية 2019 وصل إلى الجزر أكثر من 295 ألف شخص، في مقابل 2001 شخص تم ترحيلهم! كما لا تتناسب أعداد المرحلين مع أعداد المعاد توطينهم من السوريين في أوروبا (أحد بنود الصفقة)، فقد تم إعادة توطين نحو 29 ألف سوري بدول الاتحاد الأوروبي في السنوات الثلاث الأولى من تاريخ الصفقة، ناهيك عن معاناة المرحلين في تركيا وقيام بعضهم بالعودة الطوعية لبلدان المنشأ خوفًا من السجن والغرامة، بالإضافة لأولئك الذين يتم ترحيلهم من تركيا لبلدانهم الأصلية وحرمانهم من فرصة التقدم بطلب للجوء، كما توقفت المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية عن إصدار بيانات وإحصاءات حول نتائج طلبات الحماية الدولية في تركيا.
مناشدة الحكومة الألمانية
في نهاية الحوار توجه المشاركون بكلمة للحكومة الألمانية، حيث أشادت ماجينيس بآداء ألمانيا بما يتعلق باستقبال اللاجئين: “ألمانيا كانت داعم كبير للاجئين كما أنهم نفذوا برامج نالت الاستحسان فيما يتعلق بالاندماج، كما نقر بدورها في تشجيع الدول الأخرى بقضية توزيع اللاجئين، ولكنني أطالبهم بوضع أولويات أثناء رئاسة المجلس”، كما طالبت بإيجاد حلول شاملة للمشكلة تتمثل في محاولة وقف العنف والصراع في مناطق الصراع وبالتالي تقليل النزوح واللجوء، ثم تبني نظام لجوء في الدول التي تستضيف اللاجئين بشمال أفريقيا، حتى تتمكن تلك الدول من المساعدة. أما الباحثة هايزل فناشدت الحكومة الألمانية بأن تعمل في الشهور الستة القادمة على جعل حياة أولئك الناس أفضل، والبعد تمامًا عن نهج احتجاز طالبي اللجوء والسماح بإجراءات اللجوء الوطني..