كيف غيّرت أزمة كورونا الحياة اليوميّة للعائلات؟ Pixabay
26. أبريل 2020

كيف غيّرت أزمة كورونا الحياة اليوميّة للعائلات؟

بعد إنتشار فيروس كورونا وفرض التباعد والحجر الإجتماعي والصحي على الناس، تغيرت الظروف الحياتية والعادات اليومية بشكل كلي عند الكثير من الأُسر. كذلك أُغلقت المدارس بقرارات حكومية لمنع تفشي الفيروس، مما زاد أعباء الآباء الذين أصبحوا مضطرين لتأمين المعقمات ومستلزمات المنزل وحاجات الأولاد بشكل مستمر ومتزايد. بالإضافة لذلك أخذ الآباء مكان المدرّسين في البيت لتعليم أولادهم ومساعدتهم بحل واجباتهم المدرسية. هذا الواقع الجديد الذي فرض نفسه فجأة على الناس تسبب بتغيير جذري على نظام حياتهم، لا بل أثر في بعض الأحيان على حالتهم النفسية.

إلتقينا ببعض العائلات التي تعيش في هامبورغ، للتعرف أكثر على واقع الحياة اليومية للأُسر في ظل تفشي وباء كورونا. حاورنا في البداية خالد الزرعي الذي يعمل حالياً من مكتبه المنزلي كرئيس قسم في شركة متخصصة بالاعمال اللوجستية والتجارية في هامبورغ، وسألناه عن الصعوبات والتغيرات التي طرأت على حياته وحياة عائلته في ظل حالة الحجر الإجتماعي التي يعيشونها بعد تفشي وباء كورونا المستجد.

كورونا حدّ من حرية حركتنا

وصف الزرعي لموقع أمل هامبورغ الإسلوب الجديد لحياة عائلته في ظل الحجر الإجتماعي والصحي قائلاً: “لقد أصبحنا نقضي معظم أوقاتنا كعائلة في البيت. لم نعد نغادره إلا وقت شراء الحاجات الضرورية. وكوني متزوج ولدي 3 أطفال، فأنا أُمضي معظم وقتي إما بالعمل في مكتبي المنزلي أو بتدريس أولادي. أحيانا نخرج لفترة وجيزة خارج المنزل – لمدة لا تتجاوز الساعة في اليوم – للتنزه في المنطقة المحيطة بمنزلنا، مع محاولة الإنعزال عن الناس قدر الإمكان. الحد من حرية التحرك والروتين اليومي أثّر صراحة على نفسية أفراد العائلة. أهم ما افتقدناه خلال فترة تفشي الوباء هو حرية الحركة وزيارة الأصدقاء، وكذلك النشاطات الثقافية والاجتماعية في المدينة”.

البقاء في المنزل أتعب الأسرة

يضيف الزرعي: “كوني موظف، استطعت العمل منذ بداية الحجر؛ الذي بدأ مع قرار إغلاق المدارس، من مكتب العمل المنزلي، لذلك بقي دخلنا المادي كما هو ولم يتأثر أبداً. لكن ما تغير هو أننا أصبحنا انا وزوجتي ملزمين بإعطاء وقت أطول لتدريس أولادنا في المنزل – على الأقل لأربع ساعات يومياً – يضاف إلى ذلك الاعمال المنزلية والوظيفة. هذا الأمر أتعب الأسرة و قلل من رغبة الاولاد بالتعلّم! لقد إستطعنا أن نجعل أولادنا يفهمون خطر هذا الوباء، وتعوّدوا على روتين الحياة بالمنزل، لكن بقائهم المستمر في البيت لا يخلو من المشاحنات والتذمر اليومي. حاولنا أن ننهي التذمر والملل لديهم من خلال عمل أشياء تملأ أوقات فراغهم، مثل قراءة الكتب وسماع القصص ومتابعة الأفلام الكرتونية والمسلسلات العربية والألمانية أواللعب بألعابهم المفضلة”.

الحكومة تصرفت بحكمة وسرعة!

يعتقد الزرعي بأن قررات الحكومة الألمانية وطريقة إدارتهم للأزمة كانت في محلها، لأن أعداد المصابين والمتوفين بالوباء؛ في مجتمع تعداده أكثر من 85 مليون، كانت ستكون مرتفعة جداً لولا أن تم وضع قوانين وقيود للحد منه. وأشار إلى أن: “إدارة الأزمة والعمل على خفض أعداد المتوفين والمصابين من خلال خطة الطوارئ التي إنتهجتها ألمانيا بهذا الشكل الإستثنائي ساهمت بخفض أعداد الوفيات والمصابين بشكل مبهر مقارنة بالدول الأخرى. وأنه من الضروري في هذه الحالات أن يتم التصرف بحكمة وسرعة لحماية الأرواح مما هو أخطر”. وأضاف: “الدور الاكبر للحكومة تجلّى من خلال العمل على ضخ الامل والتوعية عبر الوسائل الإعلامية المتاحة، بهدف حماية المرضى والكهول وأصحاب المناعات الضعيفة من الإصابة”.

هل سيتحد العالم ضد كورونا؟

على الصعيد العالمي توقّع الزرعي أن تكون المجتمعات العالمية اكثر تقارباً وانسجاماً وقناعة بأن المصير واحد. وقال: “نامل أن يتم التغلب على هذا الوباء اللعين من خلال الوعي العالمي. كذلك أن يتم التعامل بشكل إيجابي للوقوف ضد مسببات وعلل الفتك بالإنسان أياً كانت، وخصوصاً تلك المسببات الناجمة عن بشر آخرين ممن خلت قلوبهم من الانسانية، واستخدموا قوتهم ضد شعوبهم وشعوب العالم المقهورة”.

كيف تسير الأمور مع عائلة خالد إسماعيل خلال أزمة كورونا؟

التقينا أيضاً بعائلة خالد إسماعيل وهو أب لأربعة أطفال ويعيش في هامبورغ مع عائلته منذ خمس سنوات تقريباً، حيث أخبرنا عن حالهم خلال أزمة كورونا وعن بعض التحديات التي واجهتهم خلال بقائهم في المنزل لأيام طويلة.

واجهتنا تحديات صعبة خلال تعليم أولادنا

تحدث إسماعيل لموقع أمل هامبورغ واصفاً التغيرات التي طرأت على حالهم كعائلة قائلاً: “في ظل الإجراءات الاحترازية الغير المسبوقة التي اتخذتها حكومة ألمانيا مؤخراً للحد من تفشي وباء كورونا المستجد، واجهت مع عائلتي بعض التحديات الصعبة، وكان أهمها مسؤولية التعليم المنزلي. لقد كان علينا تنظيم أوقات الدراسة مع الأولاد بشكل دوري كي لا تتأثر سَنتهم الدراسية. لقد بدأنا منذ الاسبوع الاول بتلقي بعض الإيميلات والرسائل من المدارس تشرح لنا طريقة بدء التدريس عن بعد. لا أنفي حصول بعض المشاكل التي واجهتنا بسبب اللغة، لكننا حاولنا أن نتخطاها مع الأولاد بأفضل ما نستطيع”.

الدروس ليست سهلة وزادت عن قبل؟

يتابع إسماعيل واصفاً الصعوبات والتحديات قائلاً: “أكبر أولادي يدرس في الصف العاشر، وقد استطاع أن يساعدنا في بعض الأمور اللغوية التي استعصت علينا خلال تدريس أطفالنا الأصغر سناً وكذلك ابنتي الكبرى التي تدرس في الصف التاسع ساهمت في ترجمة بعض المواد حتى استطعنا أن نشرحها لهم بلغتنا كي يفهموها بشكل أيسر. الحمل الاثقل بالنسبة لنا كان مع ابنتي الصغرى التي تدرس في الصف الرابع، كان علينا أن نجهز لها كل الاوراق المطلوبة للتعليم، ومساعدتها في الإجابة على الأسئلة من خلال الدروس المكثفة التي كنا نتلقاها من المدرسة عبر البريد الإلكتروني. بصراحة طريقة التدريس هنا صعبة وتختلف عما كنا ندرسه في بلادنا، لقد زادت الأمور صعوبة علينا بعض الشيء عندما أصبح التدريس في المنزل ومن مهام الوالدين”.

مكوثنا في المنزل جعلنا نشتاق للحياة اليومية!

يصف خالد اسماعيل كيف يقضي هو عائلته أوقاتهم في المنزل قائلاً: “رغم كل شيء نحن نقضي وقتاً ممتعاً مع بعضنا البعض، أننا نقوم بممارسة بعض النشاطات الجماعية، كالرياضة واللعب مع الأولاد، كذلك نقوم بإعداد الطعام والطهي معاً، وهذه الأشياء تقرّب أفراد الأسرة من بعضهم البعض وتساعد في القضاء على الملل. أمنيتنا الآن أن تمضي الأمور بسلام وأن نعود لحياتنا الطبيعية، لانها مهما كانت صعبة إلا أنها أفضل من الحجر في المنزل. المكوث في البيت جعلنا نشتاق للحياة اليومية كثيراً”.

علينا التقيد بالقرارات حفاظاً على حياتنا

فيما يتعلق بالقرارات الصادرة عن الحكومة والمتعلقة بقوانين كورونا قال إسماعيل: “الحكومة الألمانية وضعت بعض الإجراءات التي أدت لاحقاً لحدوث تغيّرات للأفضل، وأهم تلك التغيرات كان على صعيد ارتفاع عدد المتعافين من الفيروس وكذلك انخفاض عدد المتوفين. من جهة أخرى تم نشر التوعية فيما يتعلق بالحماية من الإصابة بالفايروس، وسبل الوقاية منه، وهذا كان أمر في بالغ الأهمية. بالمقابل، يجب علينا التقيد بتلك القرارات حفاظاً على صحتنا وصحة أولادنا، وانا أوافق تلك القرارات لأنها كانت تصب في المصلحة العامة وساهمت بالحصول على نتائج إيجابية. أتمنى أن تذهب هذه الغمامة عنا قريباً، لأننا اشتقنا لضوء الشمس والجلوس في الحدائق لنستنشق الهواء بأمان، ولنمتع أعيننا بألوان الطبيعة لوقت أطول، ولأن نمشي في الشوارع دون أن نبتعد عن الآخرين أو يبتعدوا عنا”.

كيف تمضي أم وليد وسامح، أيامها خلال أزمة كورونا؟

التقينا بسيدة في شارع شتايندام وسط هامبورغ خلال جولتها للتسوق هناك وكانت تبدو عليها ملامح التعب. عرّفتنا عن نفسها بأم وليد ولم تشأ ذكر إسمها كاملاً، وأجابت رداً على سؤالنا عن حالها خلال الأزمة بالقول: ” أنا أقوم بالتسوق لوحدي لأنني أخاف على أولادي من الذهاب إلى السوق، ماذا أفعل؟ أنا مضطرة للخروج لتأمين حاجاتنا. لا أخفي عليك خوفي من أن أصاب بهذا المرض، لكنني أحاول أن أرتدي الكمامة بشكل دائم أو أن أضع شالاً على وجهي خلال التسوق كي لا أصاب.. أنا أعيش في قلق دائم من هذا الفيروس”.

زادت متاعبي أكثر بعد كورونا..

سألتها عن حياتها اليومية والصعوبات التي واجهتها منذ بداية تفشي الوباء فردت علي مع تنهيدة: “آه يا بُني، لقد هربت من بلدي لأنجو بأولادي ولأجد لهم مستقبل أفضل، ولم اكن أطلب سوى الأمان والقوت اليومي، وأن يدخل أولادي إلى المدرسة من جديد بعد أن حرموا منها لفترة من الزمن بسبب النزوح من مكان لآخر. سوف أصدقك القول.. أنا لم أكن مرتاحة قبل كورونا ولا بعدها، والآن زادت متاعبي أكثر. أنا أقوم بكل شيء لوحدي الآن، وخوفاً على أولادي لا اسمح لهم بالذهاب للتسوق، لكنهم يساعدونني في البيت، وأنا أحاول مساعدتهم في دروسهم. أحياناً أجد صعوبة بالغة بتدريسهم لأن الواجبات المنزلية تكون صعبة عليهم وعلي أيضاً”.

أخاف من عودة أولادي إلى المدرسة؟

عن قرار تخفيف الإجراءات قالت السيدة أم وليد: “أن خائفة جداً من عودة أولادي إلى المدرسة، وأتمنى أن يبقوا في البيت إلى جانبي حتى ينتهي الوباء ويذهب بعيداً عنا. هذا الفيروس لا يميز بين شخص وآخر، وكما نشاهد فهو يصيب الجميع كباراً وصغاراً، وقد تسبب بموت الكثيرين رحمهم الله. نحن شعب محظوظ جداً، وكأن الألم والخوف كُتب ليلاحقنا أينما ذهبنا. لقد هربت بأولادي إلى الأمان لأنجو بهم من الحرب والموت، فجاء الآن هذا الوباء ليعيد الخوف مجدداً إلى قلوبنا. إنها مسؤولية كبيرة أن تعيش وحيداً وخائفاً في بلاد الغربة يا بُني”.

أصبحت أرى كورونا في طريقي أينما ذهبت..

بدأت السيدة أم وليد تهرول متجهة نحو محطة القطارات في محاولة منها لإنهاء الحديث، وكانت آخر عبارة قالتها لي قبل أن تغادر: “هل تعرف بأنني لا أزال أسمع أصوات القصف وأرى أن هناك أناس يلاحقوننا في منامي حتى اليوم؟ والآن زاد خوفي وأصبحت أرى كورونا في طريقي، وأنه يلاحقني أينما ذهبت. لقد تولد لدي شعور بالخوف الدائم من الناس، لذلك أصبحت لا أصدق أن أشتري حاجاتي لكي أعود فوراً لملاقاة أولادي”. كانت هذه آخر عبارة قالتها لي أم وليد خلال حديثنا السريع، ثم استأذنت بالإنصراف ودعت لي بالحماية ورحلت.

أنا أيضاً غادرت السوق مثل أم وليد؛ بعد أن شعرت بنفس شعورها، وبأن فيروس كورونا قريب، وأنه يجب علي أن أهرب منه ومن ظلمه للضعفاء. لقد أرعب كورونا الناس كما أرعبهم بعض القتلة من البشر. إلا أن كورونا لم يقتل الأطفال كما قتلهم بعض البشر؟ رغم ذلك هو ظالم وديكتاتور لأنه لم يجد من يردعه حتى اللحظة، ولأنه لايزال يسرح ويمرح ناشراً الموت في أرجاء البلاد، متنقلاً من شخص لآخر، ليختار الأضعف بينهم، ويجعله في النهاية رقماً يتم تحديثه كل ساعة على عدادات وسائل الإعلام كما حصل مع السوريين.

Photo: Pixabay