كيف تنظمون حياتكم.. الروتين بين الفائدة والملل! © Anas Khabir
11. فبراير 2020

كيف تنظمون حياتكم.. الروتين بين الفائدة والملل!

روتين العمل بمعنى تقسيم المهام على أوقات محددة، روتين المذاكرة، روتين الشعر، روتين بناء عضلات، روتين تنظيف المنزل، روتين إعداد الطعام، روتين تعلم اللغة، روتين.. إلخ، كلمة روتين على فيسبوك وانستجرام ويوتيوب وفي كل مكان، حتى أصبح السيد/ روتين كائنًا ضخمًا يسع السماء والأرض، أصبحت أخشى أن يأتيني مسيو روتين في المنام ليأكلني. لابد أن هناك شيء ما جعل مرتادي السوشيال ميديا خاصة، والكثير من الشباب بشكل عام يتوقفون عن الاهتمام بعدمية العميقين الجدد وغرفهم المظلمة وفوضويتهم الخلاقة ويتجهون لوضع نظام لكل صغيرة في حياتهم، لماذا تحسنت سمعة الروتين فجأة بعد أن كان رمزًا للملل وقتل الموهبة والاتكالية؟ وأي روتين يمكن لشخص جاء إلى بلد جديد ليس لديه شيء يفعله سوى انتظار قرار قبول بقائه من عدمه؟ وهل يتعارض الإبداع مع الروتين؟

هل الإنسان بحاجة إلى الروتين؟

د/ باسل العلوظي أخصائي الطب النفسي للأطفال والشباب ومرشد أسرة

يرى أخصائي الطب النفسي للأطفال والشباب ومرشد الأسرة الدكتور باسل العلوظي، أن الإنسان دائمًا بحاجة إلى نوع من النظام، يقول: “أنا سعيد بلفظ الناس للصورة التقليدية للروتين لأنها بالفعل كانت قاتلة للموهبة ومعطلة للتقدم، رغم أنه في حال بعض الوظائف يؤدي إلى أمان اقتصادي لكن زيادته عن الحد تؤدي إلى التواكل وتعطيل اكتشاف المهارات مثلما حدث بمجتمعاتنا في وقت من الأوقات، إن وضع الشخص روتين لحياته وأنشطته يساعده على تنظيم أفكاره وأدائه اليومي ومراحل إنجازه شريطة ألا يدخل هذا الروتين إلى مرحلة الجمود القاتل”.

أما المعالجة النفسية بمركز Zentrum überleben هانا كرونكا فتؤكد أنه على الرغم من وجود صورة نمطية تسيء لفكرة الروتين، إلا أنه مفيد للصحة العقلية والنفسية للشخص، خاصة إذا ما كنا نتحدث عن القادمين الجدد، فالشخص عندما يجبر على ترك بلاده وينتقل لمكان جديد، يترك خلفه حياة كاملة، ويفقد روتينه وهو ما يؤدي لوجود فراغ هائل بداخله، هذا الفراغ تحتله مساحة كبيرة من المشاعر السلبية وانعدام الأمل والحزن والإحباط، خاصة في ظل الانتظار الطويل لفحص حالة لجوئه وهكذا، لتتمكن المشاعر السلبية منه فيبدأ بالإنغلاق على نفسه ولا يغادر غرفته ولا يتحدث مع أحد، بل إن الأمر يصل في بعض الحالات للتوقف عن الأكل والشرب. وتضيف كرونكا: “يجب تفهم أن الروتين في بدايته يكون صعبًا للغاية لذا من المهم تقسيم المهام والبدء بأشياء صغيرة”، كما أكدت على أن عمل الأشياء بشكل متكرر يقلل الوقت المطلوب لإنجازها بعد ذلك، بل ربما يرفع كفاءتها.

كيفية وضع روتين مع تفادي سلبياته!

هانا كرونكا، معالجة نفسية

تؤكد كرونكا على أن الروتين الجيد هو ما يجعلنا نشعر بأننا أفضل ويعطي طاقة لنظامنا اليومي، ولتفادي الملل أثناء بناء نظام لأنشطتنا اليومية توصي كرونكا بتقسيم الروتين لثلاث أجزاء، الأول إلزامي لا يمكن التهاون في تنفيذه كالعمل ومواعيد مؤسسات الدولة، ومكافأة النفس بعد إنجاز الأنشطة الإلزامية كالذهاب إلى أحد الأماكن المحببة لشرب الشاي، مع أهمية الحذر من ملء اليوم بأنشطة إلزامية، وأخيرًا تنصح بوضع استراحات أثناء القيام بالعمل، لأن الاكثار من الانتظام سوف يكبت حتى المشاعر السلبية ويفقدنا السيطرة على حياتنا وتصبح الاستراحة الوحيدة خلال اليوم هي فترة ما قبل النوم، لتظهر هنا كل المشاعر السلبية التي قمنا بكبتها خلال العمل وتحرمنا من النوم.

كيف يتفادى القادمون الجدد احباط طول الانتظار؟

تقول المعالجة النفسية كرونكا: “من المهم أثناء تنظيم النشاطات اليومية التأكد من أنها تعود بالنفع على اللاجئين حتى لو كانت نشاطات صغيرة، وأن يدرك هؤلاء أنه يمكنهم التحكم بحياتهم، لأن الإجبار على ترك الوطن ثم المجيء لمكان جديد يوجد آخرون يقررون ما يحدث في حياة القادم الجديد يجعل الشخص يؤمن بشكل لا واعي أنه لا يملك أي سيطرة على حياته ويزداد اليأس”. ولبدء برنامج يومي ينصح أخصائي الطب النفسي د/ العلوظي بكتابة المهام المطلوب إنجازها في قائمة يمكن تفقدها بنهاية اليوم، كما يوصي بأن يكون البرنامج اليومي أو الأسبوعي أو الشهري متنوع يمكن تغييره كل فترة، يضيف العلوظي: “الناس في المجتمع هنا يتقدمون بشكل ملحوظ وسريع، بعكس بعض البلدان الأخرى التي يمكنك أن تضيع الكثير من الوقت فيها دون أن تلاحظ تغيير في المجتمع، فكل شيء يسير ببطء! لكن هنا في ألمانيا على سبيل المثال بعد فترة قصيرة من الكسل وعدم الإنجاز ستلاحظ المسافة الكبيرة بينك وبين المحيطين وستسوء حالتك”، كما نصح بالبدء بالالتزام بأنشطة معينة ولو لفترة قصيرة لا تزيد عن ساعتين يوميًا.

فيق بكير وشوف الصحة شلون بتصير!

وحول تجربته مع وضع نظام ليومه يقول أنس خبير: “بدون وضع روتين ونظام للأنشطة التي نقوم بها لن نتمكن من إنجاز أي شيء، فقد ظللت لفترة أعمل ليلًا وأنام نهارًا وهو ما لم يجدِ نفعًا حيث تنظيم الوقت والنوم مبكرًا يمنع القلق والضغط، فكلما نمت مبكرًا واستيقظت مبكرًا يساعدني ذلك على أن أقوم بعملي خلال اليوم براحة وطاقة أعلى”، وأضاف خبير: “أعمل بمقولة جدتي، نام بكير وفيق بكير وشوف الصحة شلون بتصير”. وهو ما أكده د/ العلوظي عندما نصح بعدم قلب الليل نهار والنهار ليل تحت أي حجة، كما شدد على النوم لساعات كافية يومياً.

هل يتعارض الإبداع مع الروتين؟

الكاتب والروائي الليبي محمد الأصفر

يرى الكاتب والروائي الليبي محمد الأصفر بأنه أحيانًا يحتاج بعض المبدعين لحالة من الفوضى والتحرر، بل وحتى تأثير المخدر خاصة الشعراء الذين يأتي إبداعهم كرد فعل لما يحدث لهم من مسرات أو مصائب، لكن هذه الحالة تكفي فقط لشرارة البدء الأولى، فلن يمكنهم الاستمرار بعد ذلك إلا إذا كانوا في حالة صحو. يضيف الأصفر: “في هذه الأيام معظم الكتاب يتبعون الطريقة المنضبطة، بل صارت هناك مدارس تدرس الإبداع وتنمية مواهب المبدعين بطرق علمية، ويبقى في النهاية ضرورة توافر الموهبة في مجال الأدب والفن”، ويؤكد الأصفر على أنه في غياب الموهبة لن تنفع فوضى ولا غيرها، وعلى الشخص أن يصنع أسطورته بمجال آخر، فعلى من يدخل مجال الأدب أن يترك نفسه تقوده حيث تحب، لا يهم نوع القلم ولا لون الورق، لا يهم المكتب ولا الطاولة ولا الموسيقى التي تسمعها أثناء الكتابة، السجائر والقهوة لا يصنعون إبداعًا، المهم ما تحمله من موهبة وما تحمله رأسك من ثقافة.