رحلة الدكتور أحمد حمشو من اللجوء إلى حملة “شفاء سوريا” Foto: Privat
18. يونيو 2025

رحلة الدكتور أحمد حمشو من اللجوء إلى حملة “شفاء سوريا”

لم يغلق السوريون أبواب الأمل رغم المعاناة لسنوات طويلة سواء في أروقة المنافي وبلدان اللجوء أو تحت سقف وطن حرم أبناءه أدنى مقومات الحياة الكريمة. كان يكفي أن تتحرر البلاد ليشعر الجميع بالانتماء لها. فتتالت المبادرات الفردية التي لم تنتظر تمويلاً من منظمات كبرى.

وجاءت حملة “شفاء سوريا” كاستجابة إنسانية صادقة لمعاناة لم تنتهِ بسقوط المجرمين الذين كانوا سبباً في تلك المعاناة. وكان الدكتور أحمد حمشو واحد من أولئك الذين شاركوا بتلك المبادرة التي بنيت على الإيمان بالواجب والإصرار على التغيير والانتماء الذي لا تهزّه المسافات.

بين الجراحة والمنفى.. وحملة “شفاء سوريا”

الدكتور أحمد حمشو

الدكتور أحمد حمشو

غادر الدكتور أحمد حمشو سوريا في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015 . وكان قد أن أنهى دراسته الطبية واختصاصه في الجراحة العظمية، وعمل آنذاك في مشفى مدينة سلمية الوطني. رغم ظروفه المعيشية المريحة، اضطر إلى اتخاذ قرار المغادرة نتيجة للضغوط الأمنية المتزايدة. يقول الدكتور حمشو: “رغم أن حياتي كانت مستقرة، إلا أن التهديدات المتكررة جعلت بقائي مستحيلاً”. وأثناء مغادرته اعتقلته دورية تابعة للأمن العسكري على الحدود اللبنانية قبل أن يُفرج عنه لاحقاً بعد أسبوعين بفضل تدخل عائلته وشبكة دعم ضيقة.

البداية الجديدة في ألمانيا: تحديات اللغة وتعديل الشهادات

بعد وصوله إلى ألمانيا، بدأ الدكتور حمشو رحلة شاقة لتعلم اللغة وتعديل شهاداته الطبية. استغرقت العملية عامين ونصف قبل أن يتمكن من العودة إلى ممارسة مهنته. خلال تلك الفترة، انضم إلى تجمع الأطباء السوريين في ألمانيا، الذي سرعان ما اتسع ليشمل أيضاً أطباء الأسنان والصيادلة، مكوّناً نواة لحراك طبي متكامل.

فكرة “شفاء سوريا” ولادة من رحم الأمل

في مارس/آذار، بدأ التجمع الطبي يفكر في تقديم العون للشعب السوري بعد التطورات السياسية التي شهدتها البلاد. تبلورت فكرة “حملة شفاء سوريا” خلال سلسلة من الاجتماعات الافتراضية. يقول الدكتور حمشو: “اجتمعنا أول مرة كـ75 طبيباً، وكانت هناك رغبة حقيقية للعمل داخل سوريا رغم كل التحديات. وقررنا أن نموّل الحملة بشكل ذاتي، حيث تبرع كل طبيب بمبلغ لا يقل عن 1000 يورو، وتكفلنا بتكاليف السفر والإجازات الشخصية”.

شفاء سوريا

التنسيق والتنفيذ

حملة شفاء سوريا

حملة شفاء سوريا

حددت انطلاقة الحملة بين 24 آذار و26 نيسان، وبدأ الأطباء، وعلى رأسهم الدكتور مهدي العمار والدكتور مصعب العلي الذي أصبح وزيراً للصحة، بالتنسيق اليومي عبر تطبيق واتساب. “توزعنا المهام حسب الاختصاص والموقع الجغرافي، وغطت الحملة مشافي دمشق، حمص، درعا، حلب، دير الزور، وإدلب”.

خلال التحضيرات، تعاون الفريق مع وزارة الصحة السورية والوزير المكلف، الذي أصبح لاحقاً وزيراً للصحة. لتوفير بعض التجهيزات بالتنسيق مع شركة طبية محلية، في ظل غياب أي دعم من المنظمات الدولية بسبب العقوبات المفروضة.

 صدمة الواقع الميداني

خلال عمله في مشفى جامعة حمص، صُدم الدكتور حمشو من حالة البنية التحتية الطبية. “لم أكن أتوقع أن يكون الوضع بهذا السوء. غرف العمليات كانت خالية من أبسط المعدات، حتى قبضات الأبواب مفقودة”. رغم ذلك، أجريت العديد من العمليات باستخدام المعدات التي جُلبت مسبقاً أو تلك التي حملها الأطباء معهم.

“ففي مجال جراحة القلب، أجرى الأطباء ما يقارب 260 عملية قثطرة، إلى جانب عمليات في العظام والمفاصل والإصابات الحربية والتشوهات”. كما شهدت الحملة تفاعلاً كبيراً من الأطباء المحليين الذين أبدوا استعداداً للتعاون والتعلم، حيث كانوا يحضرون العمليات ويشاركون في تحضير المرضى.

ولم ينس الدكتور حمشو أن يذكر ما قدّمه وزير الصحة مصعب العلي من تسهيلات لتأمين التراخيص المؤقتة للأطباء، والمساعدة في تسهيل العمل الميداني. “من المؤكد أن الوزارات تبذل جهداً والوزير نشيط جداً، زار كل المشافي في سوريا ويحاول بكل طاقته تحسين الوضع رغم محدودية الإمكانات”.

الختام الحملة الأولى بداية الاستمرارية

بعد انتهاء المرحلة الأولى من الحملة، اجتمع الأطباء مجدداً في فرانكفورت بتاريخ 24 أيار. بحضور أكثر من 450 مشارك من أطباء ومهندسين وإعلاميين. لتقييم حملة “شفاء 1″ وناقشوا المعوقات والخطط المستقبلية، بما في ذلك دعم المشافي بالتجهيزات الطبية بدلاً من الاقتصار على العمليات فقط. ” تحدث المنسقون والقائمون الأساسيون على المشروع عن وجود تواصل مع جهات ومنظمات مستعدة للدعم والمساعدة لكن لم يكن هناك ما هو مؤكد، نأمل أن يكون خاصة بعد انتهاء العقوبات”.

WhatsAppBild2025-06-02um223943_8c1d763b
WhatsAppBild2025-06-02um223944_2569f756
WhatsAppBild2025-06-02um223943_eab06524
WhatsAppBild2025-06-02um223943_124d5f39
WhatsAppBild2025-06-02um223945_fad7eb3b
previous arrow
next arrow

التحضير لـ “شفاء 2” وطموحات أوسع

وخلال الاجتماع في فرانكفورت حدّد الأطباء موعد الحملة الثانية بين 8 تموز و26 آب، وتعد أطول من سابقتها ما يتيح تقديم خدمات أكبر. كما نُوقشت إمكانية تنظيم حملات إضافية في الشهر العاشر ونهاية العام. “للأسف لن أستطيع المشاركة في كل الجولات بسبب التزامي بعملي هنا، لكنني سأشارك حتماً في فترة الصيف”.

تحديات التمويل والحاجة إلى دعم واسع النطاق

رغم نجاح المبادرة، فإن الحملة ما تزال تعتمد على التمويل الذاتي. “نحتاج إلى دعم بالملايين، لكن باب التبرع لم يُفتح بعد. الناس في سوريا يستحقون، وهم طيبون ومتفائلون رغم كل شيء”. وتبقى الحاجة الملحة إلى توفير تأمين صحي وعمل يضمن استمرار هذه المبادرات.

الجهود الموازية و الأثر الإنساني والاجتماعي

بعيداً عن الحملة، حرص الدكتور حمشو على تحسين وضع مشفى سلمية الوطني، حيث عمل سابقاً. بالتعاون مع مدير المشفى الدكتور أحمد خنسة، أطلق حملة تبرعات من أبناء المدينة شارك فيها 220 متبرعاً. إلا أن الحملة توقفت لاحقاً بانتظار تأسيس جمعية خيرية قانونية تحت اسم Human Medico Bridge بين سوريا وألمانيا، قيد الترخيص حالياً. ولم تقتصر مساهمة الدكتور حمشو على الجانب الطبي فحسب، فقد استطاع خلال زيارته مساعدة قريته “مرج مطر” بتركيب منظومة طاقة شمسية لضخ مياه الشرب.

 الأمل المستمر في استعادة الحياة

تعكس حملة “شفاء سوريا” مثالاً حياً على كيفية الجمع بين الخبرة، الإنسانية، والانتماء. إنها ليست مجرد مبادرة طبية، بل حركة عودة إلى الجذور، وتعبير عن إصرار السوريين في الخارج على لعب دور فعّال في إعادة بناء وطنهم، خطوة بخطوة. “كلٌّ من موقعه يستطيع أن يقدم شيئاً لسوريا لتقف من جديد، والفكرة تستحق، لكنها تحتاج إلى وقت وإرادة وصبر”.

Amal, Hamburg!
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.