تواجه ألمانيا أزمة متفاقمة في رعاية الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، إذ تضطر بعض العائلات للانتظار حتى ستة أشهر للحصول على علاج مناسب. بحسب تحقيق أعدّته إذاعة NDR العامة ودراسة لجامعة لايبزيغ. ويتحدث الخبراء عن فجوة خطيرة تهدد بجعل هذه الاضطرابات النفسية مزمنة.
قصة ميا معاناة مستمرة
الفتاة ميا، البالغة من العمر 15 عاماً من ولاية شليسفيغ هولشتاين، تعاني منذ سنوات من اضطرابات القلق والاكتئاب ونوبات الهلع. تقول: “عندما أشعر بالخوف، يصبح كل شيء مشوشاً، والتوتر لا يفارقني”. لم تتلقّ ميا سوى جلسات علاجية متباعدة – أحياناً كل أربعة أسابيع ، وأحياناً كل ثمانية أسابيع – دون خطة علاجية طويلة الأمد. ما تسبب بتدهور حالتها. دراسة حديثة صادرة عن جامعة لايبزيغ في فبراير 2025، تؤكد أن ميا ليست حالة فردية. فقد أظهرت البيانات أن القاصرين ينتظرون في المتوسط ستة أشهر للحصول على علاج نفسي متوافق مع الإرشادات الطبية. وتحذر الباحثة الرئيسية، الدكتورة كريستين رودني-فولف، قائلة. “تأخر العلاج في مرحلة الطفولة قد يؤدي إلى تحول هذه الاضطرابات إلى أمراض مزمنة، وربما إلى تطور اضطرابات نفسية إضافية”.
عجز في الكوادر والبنية التحتية
في مستشفى هايد، تصف كبيرة الأطباء في قسم طب نفس الأطفال والمراهقين، نادين شارينبيرغ، الوضع قائلة: “نحن في مأزق حقيقي. يطلب منا علاج حالات لا يمكننا التعامل معها خارج المستشفى”. وفي منطقة ديتمارشن بأكملها، لا يوجد طبيب نفسي واحد متخصص بالقاصرين. وترى شارينبيرغ أن النظام يعاني من “حالة طوارئ مزمنة” في العيادات الخارجية، لا سيما المناطق الريفية.
خلل في نظام تخطيط الاحتياجات
رغم أن جمعية أطباء التأمين الصحي القانوني في شليسفيغ هولشتاين (KVSH) تشير إلى أن تغطية الطب النفسي للأطفال والمراهقين تتجاوز 100% على الورق، إلا أن الدكتورة رودني-فولف تؤكد أن هذه الأرقام مضللة. وتعزو السبب إلى “تخطيط احتياجات قديم ومتعسّف لا يعكس حجم الطلب الفعلي على الرعاية”. وتضيف: “المعايير المستخدمة لحساب عدد المعالجين لا تأخذ في الاعتبار الخصوصية النفسية والعلاجية لفئة القاصرين”.
آثار مجتمعية ونفسية متراكمة
أظهرت دراسة “COPSY” التي أجراها المركز الطبي الجامعي هامبورغ-إيبندورف (UKE) في أبريل 2025 أن نحو خُمس الأطفال والمراهقين في ألمانيا يعانون من ضغوط نفسية شديدة. وتقود الباحثة أولريكه رافينز-سيبرير الدراسة، موضحة أن “مخاوف المستقبل” الناتجة عن الحروب، وتغير المناخ، والكوارث العالمية، تُسهم في تدهور الصحة النفسية لدى القُصّر، الذين يتعرضون لهذه الأزمات عبر وسائل الإعلام لساعات طويلة يوميًا. ويحذر مدير الأبحاث في UKE من تأثير البيئة الأسرية.
مطالب بإصلاح بنيوي عاجل
جامعة لايبزيغ والمركز الطبي الجامعي هامبورغ-إيبندورف دعيا إلى زيادة عدد الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في المدارس، بهدف الكشف المبكر عن الاضطرابات النفسية لدى الأطفال والمراهقين. كما تدعو اللجنة الاتحادية المشتركة (G-BA) إلى تعديل قانون الرعاية الاجتماعية وتحديث آلية تخطيط الاحتياجات. بما يضمن عدالة التوزيع وتحقيق تغطية حقيقية لاحتياجات القاصرين النفسية، خاصة في المناطق الريفية.
غياب الاستجابة الحكومية
رغم تضمين هذه النقاط في اتفاق الائتلاف الحاكم الذي ينص على “تحسين الرعاية في المناطق الريفية وتكييف تخطيط الاحتياجات”. لم تصدر وزارة الصحة الفيدرالية حتى الآن أي خطة تنفيذية ملموسة، كما امتنعت عن الرد على استفسارات NDR.
المصدر باللغة الألمانية هنا