بعد ثلاث سنوات ونصف من التحقيقات وجمع الأدلة المكثفة، أصدرت المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت اليوم حكماً بالسجن مدى الحياة على الطبيب السوري السابق علاء موسى لإدانته بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها بين عامي 2011 و2012 في مستشفيات وسجون تابعة لنظام الأسد البدئد في حمص ودمشق.
شمل الحكم أيضاً فرض الاحتجاز الوقائي اللاحق والحظر المهني، نظراً لشدة الجرائم وخطورة الأفعال المنسوبة إليه. عمل علاء طبيباً في مستشفى حمص العسكري المعروف بـ “608”، قبل أن ينقل إلى مستشفى المزة العسكري “601” في دمشق، الذي ارتبط لاحقاً بفضيحة صور “قيصر”. كما عمل في أحد سجون المخابرات العسكرية “261” بحمص، وواجه اتهامات بالتورط في تعذيب واعتداءات جنسية وقتل مدنيين، حيث استمعت المحكمة إلى أكثر من 50 شاهداً وخبيراً على مدى 186 يوماً، مقدمة صورة شاملة عن الانتهاكات الممنهجة التي ارتكبها نظام الأسد البائد ضد المدنيين، وخاصة خلال الحملة القمعية في حي بابا عمرو بحمص. ورغم نفيه لأي انتماء سياسي أو عسكري، برّر علاء خلال محاكمته وقوفه إلى جانب النظام البائد بأن المظاهرات حملت شعارات طائفية، ما دفعه للشعور بالتهديد بحكم انتمائه الديني!
هل يمكن ملاحقة مرتكبي جرائم النظام السوري في ألمانيا؟
يعد هذا الحكم أحد أهم الإجراءات القضائية في ألمانيا بحق مرتكبي جرائم نظام الأسد البائد، ويأتي في سياق متصل مع أحكام أخرى صدرت في ألمانيا والنمسا والسويد والنرويج بحق مسؤولين سوريين متهمين بارتكاب انتهاكات مماثلة. ويؤكد هذا القرار مبدأ الاختصاص القضائي العالمي كأداة فعالة لمكافحة الإفلات من العقاب، ويوجه رسالة واضحة لمرتكبي الجرائم في سوريا بأن العدالة ممكنة حتى خارج حدود البلاد.
يعتبر هذا الحكم نقطة تحول تاريخية في مسيرة المحاسبة على جرائم الحرب في سوريا، ويمنح الأمل للناجين وأسر الضحايا بأن العدالة قد تتحقق، في وقت تتواصل فيه التحقيقات حول مزيد من الجرائم المرتكبة ضد المدنيين السوريين. كما يشدد الخبراء على ضرورة إصلاح شامل في مؤسسات الدولة السورية لضمان احترام حقوق الإنسان واستقلال القضاء في المستقبل، بما يتماشى مع المعايير الدولية.
هذا الإنجاز القضائي جاء بدعم ومساندة من منظمات حقوق الإنسان، وعلى رأسها المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، الذي وصف الحكم بأنه خطوة مهمة نحو إنهاء الإفلات من العقاب. ويأمل المركز أن يشكل الحكم قاعدة صلبة للملاحقة القانونية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، مما يفتح بابًا جديدًا لتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.
حرق وتشويه وضرب ومجازر بحق الإنسانية!
وبحسب شهادات ناجين وزملاء سابقين، ارتكب علاء موسى أنماطاً ممنهجة من الانتهاكات، تشمل تعذيب المعتقلين جسدياً عبر الضرب المبرح على أماكن الجروح باستخدام أدوات مثل الأنابيب البلاستيكية، والإهمال الطبي المتعمد عبر إجراء عمليات دون تخدير، ما تسبّب في آلام مروّعة للضحايا. كما وُجهت إليه تهم باستخدام أساليب الحرق والتشويه، منها صبّ مواد كحولية على الجروح وإشعالها، وحرق الأعضاء التناسلية لمراهقين.
وتضمنت لائحة الاتهام تهماً بالعنف الجنسي والتعقيم القسري بهدف حرمان الضحايا من الإنجاب، إلى جانب القتل العمد. في إحدى الحالات، أفاد شاهد بأن موسى حقن معتقلًا بمادة قاتلة أودت بحياته، وفي حالة أخرى قام بضرب معتقل وحقنه بمادة سامة أدّت إلى وفاته خلال دقائق. النيابة العامة اعتبرت هذه الأفعال جزءاً من هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد المدنيين، ما يصنّفها ضمن جرائم ضد الإنسانية بحسب القانون الدولي والولاية القضائية العالمية لألمانيا.