لطالما ارتبطت المساجد في الخطاب الإعلامي والسياسي بألمانيا ببعض الصور النمطية التي تثير الريبة وتغذّي مشاعر الخوف، وفي مقدمتها تهمة “خطب الكراهية”. غير أن دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة “فريدريش ألكسندر” في مدينة إرلانغن الألمانية. جاءت لتفنّد هذه المزاعم بشكل واضح، وتعيد رسم ملامح الواقع بعيداً عن التهويل.
“خُطب الكراهية” ونتائج الدراسة!
بيّنت نتائج الدراسة التي نشرها موقع Migazin. أن خطب الجمعة في المساجد الألمانية تركز معظمها على مواضيع مثل الاحترام، حماية البيئة، والعلاقات الاجتماعية. ولا تحتوي على أي دعوة للكراهية، في مشهد يخالف تماماً ما تروَّج له بعض النقاشات العامة. كما أوضحت الدراسة، التي أشرف عليها مركز أبحاث الإسلام والقانون في أوروبا، أن الخطباء يتناولون في خطبهم قضايا الحياة الدينية اليومية، والعلاقات بين الناس، والروحانيات. دون أي دلائل على وجود دعوات للتطرف أو الكراهية، وهو ما يتناقض مع الصورة النمطية المنتشرة منذ سنوات.
الخطاب مقبول تماماً!
اعتمد الباحثون في دراستهم على تحليل نصوص خطب الجمعة المنشورة على الإنترنت لثلاثة من أكبر الاتحادات الإسلامية في ألمانيا. وهي الاتحاد التركي الإسلامي (DITIB). والجماعة الإسلامية ميلي غوروش (IGMG)، واتحاد المراكز الثقافية الإسلامية (VIKZ). كما تحقق الباحثون من مدى تطابق النسخ المكتوبة مع الخطب التي ألقيت فعلياً. وكذلك من مدى تطابق النسخ التركية والألمانية دون أن يلاحظوا أي مخالفات. وصرّح البروفيسور يورن تيلمان، مدير المشروع، أن محتوى الخطب “مقبول تماماً ولا يتضمن ما يمكن الاعتراض عليه”. مشيراً إلى أن وسائل الإعلام والسياسيين غالباً ما يتجاهلون حقيقة أن الخطب تدعو بانتظام إلى الانخراط الإيجابي في المجتمع.
رفض مزاعم خُطب الكراهية
وأشارت الدراسة إلى أن المزاعم المتكررة حول انتشار “خطب الكراهية” في المساجد، غالباً ما تُطرح دون أدلة واضحة أو تحليل معمق. وهو ما ساهم في ترسيخ أجواء من الشك تجاه المسلمين في ألمانيا، وساعد في ارتفاع حالات الاعتداءات ذات الدوافع المعادية للمسلمين. كما ذكرت الدراسة أن المواضيع المتكررة في الخطب تتعلق غالباً بتربية الأطفال، الاحترام داخل الأسرة، حسن الجوار، حماية البيئة، ومساعدة المحتاجين. أما المواضيع السياسية أو الحساسة مثل الحرب والسلام، الإرهاب، الاندماج، التمييز، ومعاداة الإسلام. فتطرح بشكل أقل، وعند طرحها تناقش بطريقة تدعو إلى التصرف السلمي والبناء.
يجدر بالذكر أن المساجد التابعة للاتحادات الثلاثة المذكورة تشكل قرابة 1.500 من أصل حوالي 2.300 مسجد ومصلى في ألمانيا، وهي بذلك تستقطب النسبة الأكبر من المسلمين في البلاد. وتأتي هذه الدراسة ضمن مشروع بحثي موسع بعنوان “التفاعلات”. امتد من عام 2000 حتى نهاية 2024، لدراسة تأثير الخطاب العام حول الإسلاموية على المجتمعات المسلمة في ألمانيا.