“كيف الوضع عندكم؟ هل كل شيء هادئ؟” سألت آن مولنهاور زميلتها في حلب. أومأت سوزدار عبدو برأسها وقالت: “الناس هنا يعودون تدريجياً إلى الحياة اليومية”، وأظهرت عبر كاميرا هاتفها حالة “بيت وكيل”. الواجهة مليئة بالثقوب، النوافذ مكسورة، وأحجار متساقطة مرتبة بعناية على الأرض. إنها آثار الدمار الذي سببته الحرب وكذلك الزلزال القوي عام 2023.
إعادة البناء في حلب باستخدام صور من برلين
تم توثيق الشكل الرائع الذي كان عليه “بيت وكيل” بدقة من خلال صور عديدة محفوظة في قاعدة بيانات رقمية لمشروع أرشيف التراث السوري. تُظهر الصور منزلاً سكنياً أنيقاً من الحجر الجيري الرمادي الفاتح مع نوافذ مقوسة مزينة بزخارف دقيقة. منذ عام 2013، جمع المعهد الأثري ومتحف الفن الإسلامي حوالي 200 ألف وثيقة عن التراث الثقافي السوري ووفرها على خريطة رقمية على الإنترنت.
التركيز على المستقبل بدلاً من الحداد
“لم نكن نريد أن نقف مكتوفي الأيدي”، قال ستيفان فيبر، مدير متحف الفن الإسلامي. “عندما اشتعلت النيران في سوق حلب عام 2012 وانهارت مئذنة الجامع الأموي، كان ذلك خسارة مؤلمة. كان واضحاً أننا بحاجة إلى التحرك بدلاً من الحداد فقط.”
نشأت فكرة إنشاء أرشيف رقمي للكنوز الثقافية السورية بالتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية. وأضاف فيبر: “بدأنا بجمع الكثير من البيانات وتوثيق المباني لدعم إعادة بناء يراعي القيمة التاريخية في المستقبل. كما كان من المهم توظيف اللاجئين السوريين هنا للاستفادة من خبراتهم”.
ترميم الحجر على أساس الصور
الآن وبعد الإطاحة بالنظام السوري، حان الوقت للاستفادة من سنوات العمل التوثيقي. باستخدام الصور، يستطيع الحجارون إعادة بناء “بيت وكيل” بدقة. المنزل الآن مملوك للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، التي كانت دائماً مستقلة عن النظام القديم، ولهذا السبب بدأت الأعمال الأولية في المنزل.
رابط خاص بين “بيت وكيل” وبرلين
اختير “بيت وكيل” ليكون أول مشروع إعادة إعمار لمشروع أرشيف التراث السوري بسبب العلاقة الخاصة بين المنزل وبرلين. يحتفظ متحف الفن الإسلامي، وهو جزء من متحف بيرغامون، بكنز ثقافي سوري مهم من “بيت وكيل”: غرفة حلب، وهي أقدم تغطية جدارية خشبية محفوظة بالكامل من الإمبراطورية العثمانية.
التركيز على البشر قبل المباني
اختيار حلب لم يكن فقط بسبب مبانيها الفريدة، بل أيضاً لأنها مدينة نابضة بالحياة. يقول فريق المشروع إنهم يركزون على حلب لأنها مدينة يعيش فيها الناس الذين يرغبون في البقاء ويحتاجون إلى المساعدة.
حلب ليست دريسدن عام 1945
رغم الصور المدمرة لحلب، يقول ستيفان فيبر إن جزءاً كبيراً من المدينة القديمة يمكن إعادة بنائه. “لا يمكن مقارنة الوضع بدريسدن عام 1945. هناك مسارات للدمار في حلب بسبب المعارك، ولكن حوالي 30% فقط من مباني المدينة القديمة تضررت بشدة أو دمرت بالكامل”.
رؤية أمل للمستقبل
لا يزال المستقبل السياسي لسوريا غير واضح، لكن فريق المشروع في برلين يريد استغلال لحظة الأمل هذه. تقول آن مولنهاور: “الآن يمكننا فعلاً البدء في تطوير مشاريع مشتركة لا تعود بالنفع فقط على التراث العمراني بل أيضاً على الناس”.
في فبراير 2025، تخطط آن مولنهاور مع زميلها السوري علاء الدين حداد للعودة إلى حلب، وهي لحظة عاطفية خاصة لحداد الذي فر من حلب قبل عشر سنوات. الآن يخطط للعودة والمساهمة في إعادة إعمار مدينته.
أرشيف رقمي لإحياء التراث
مشروع أرشيف التراث السوري يجمع معلومات حول المواقع الثقافية في سوريا في قاعدة بيانات رقمية. تأسس المشروع عام 2013 بتمويل من وزارة الخارجية الألمانية. وتم حتى الآن جمع أكثر من 200 ألف صورة وخريطة ومخطط رقمية، منها 55 ألف وثيقة عن حلب وحدها.