أخيرًا عرفنا الإجابة على سؤال: من البديل عن الأسد؟ Foto: Omar Sanadiki/AP +++ dpa-Bildfunk
10. ديسمبر 2024

أخيرًا عرفنا الإجابة على سؤال: من البديل عن الأسد؟

قبل نحو شهر، جلس الديكتاتور المخلوع بشار الأسد بين زعماء الأمة الإسلامية، في اجتماع القمة العربية الإسلامية الطارئ، الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية لبحث الأوضاع في جنوب لبنان وغزة. يومها كان خطاب الإرهابي بشار الأسد مثيرًا للسخرية لشدة وقاحته وصدقه في آن معًا!

وهنا سأقتبس من كلامه حول جوهر ذلك الاجتماع والقرارات التي ستخرج، وضرورة فعاليتها قائلاً: “كي لا نكون كمن يتحدث مع اللص بلغة القانون، ومع المجرم بلغة الأخلاق، ومع السفاح بلغة الإنسانية”! صدق وهو الكاذب، فكيف يمكن التحدث مع اللص بلغة القانون يا بشار الأسد؟ وأنت لص ابن لص سرق وطنًا وأحلام وأرواح ومستقبل ملايين السوريات والسوريين!

كيف يمكن التحدث مع مجرم بلغة الأخلاق، وأنت يا بشار الأسد مجرم ابن مجرم تغوص كأبيك وعمك وأخوتك وآل الأسد جميعًا، في بحرٍ من دماء السوريين. وكيف يمكن التحدث مع السفاح بلغة الإنسانية يا بشار الأسد، وأنت سفاح العصر الذي تفوق على أبيه وعمه، وقتلت أكثر من مليون سوري وسورية منذ عام 2011 وحتى لحظة هروبك من دمشق في الثامن من ديسمبر الجاري!

لقد وصف الديكتاتور المخلوع بلسانه حال المعارضة السورية التي طالبها العالم وأرغمها على الحوار مع الأسد لسنوات والأخير يتمنّع ويراوغ ومن خلفه داعميه. وبلسانه أثبت أنه لم يكن أمام الشعب السوري إمكانية الحوار مع لص ومجرم وسفاح، فالأسد نفسه يؤمن باستحالة هكذا حوار كما قال!

لن أدخل بتوصيف تاريخ سوريا الأسود منذ استولى الديكتاتور الراحل حافظ الأسد على السلطة سبعينيات القرن الماضي، ولا عن مآسي السوريات والسوريين خلال الـ 14 عام الماضية، من قتل واعتقال وتغييب وتهجير ولجوء.. سأقفز مباشرةً إلى الـ 27 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما أطلق ثوار سوريا عملية “ردع العدوان”، لتحرير وطنهم من ميليشيات الأسد، وإعادة المدن لأهلها وتطهيرها من عصابات إيران الطائفية!

نعم بسواعد أبناء سوريا من إدلب وحلب وحمص وحماة ودرعا وريف الشام واللاذقية، وكل المدن والبلدات السورية التي سقط فيها الأسد لأول مرة عام 2011. هؤلاء الذين هجرتهم قطعان الشبيحة وهم أطفال قبل عقدٍ من الزمن، عادوا رجالاً أشداء يحملون الشوق لمن بقي من أهاليهم على قيد الحياة، ومدنهم وقراهم المدمرة، وصبرًا مريرًا على حياة مخيمات النزوح واللجوء، وإصرارًا وعزيمًة أبهرت الأعداء قبل الأصدقاء!

سقط نظام الأسد الفاقد للشرعية منذ عقود، سقط السفاح الذي بقي لآخر لحظة يتلذذ بقتل السوريين. فر مذعورًا في جنح الليل وكله أمل بأن تسيل الدماء بعد هروبه أكثر وأكثر جراء الفراغ والفوضى! فر معاونوه وجلادوه الذين تركهم خلفه مستقلاً طائرته نحو موسكو. لكن ما تمناه من فوضى لم يحدث، ولم يكن هناك سوى الأفراح والزغاريد برحيله، ليس في سوريا فقط، وإنما في كل الدول التي استضافت وتستضيف على أرضها لاجئات ولاجئين سوريين. ومنذ لحظة سقوطه التاريخية وحتى الآن، لم تسجل حالات فوضى أو اعتداءات تذكر على المدنيين أو على أملاكهم أو على أملاك الدولة السورية، ولم يكن هناك أي ممارسات انتقامية.

منذ اللحظات الأولى لمطالبة الشعب السوري بإسقاط النظام، كان العالم العربي والغربي يفرك يديه حائرًا ويتساءل: “حسنًا إنه سفاح ومجرم، وكيماوي ومارق وطائفي وفيه كل الصفات السيئة، لكن من البديل؟”. دفعنا نحن أبناء سوريا سنوات من القهر والظلم والقتل والتغييب والسجن والتعذيب الممنهج واللجوء والنزوح، ليصل العالم إلى إجابة عن هذا السؤال “المعقد”! إجابة كانت واضحة جدًا منذ انتزعت مخابرات الأسد أظافر أطفال درعا، إجابة واضحة منذ قتل شبيحة الأسد الطفل حمزة الخطيب، منذ اختنقت دوما بكيماوي جيش الأسد، منذ أبيدت داريا وهُجر أهلها بمئات الآلاف، منذ سقطت براميل الأسد المتفجرة، والحمم الروسية على أحياء ومدن إدلب وحلب وحمص وريف الشام، منذ ومنذ ومنذ..

الإجابة كانت واضحة وضوح الشمس، البديل عن الأسد هو الشعب السوري، البديل هم أبناء هذا الشعب العاشق لتراب وطنه.. فهل عرفتم الآن من هو البديل؟ شكرًا لكم، لأنه كما يقال أن تصل متأخرًا خير من ألا تصل. وبما أنكم وصلتم، سأطلب منكم أن تقفوا الآن إلى جانب الشعب السوري وتدعموه إلى أن يقف على قدميه، أن تمدوا يد العون التي مدت على استحياء سابقًا باتجاهات خاطئة.

اليوم لدينا بذرة دولة مدنية ديموقراطية يمكن أن تنمو وتزهر سريعًا، لكنها بحاجة لدعم ورعاية، بحاجة لرفع العوائق عن ازدهارها ومنع التدخلات الشريرة التي يضمرها أعداء حرية الشعب السوري، ولن أسميهم فالكل يعرفهم. لا تتعاملوا مع سوريا الآن على مبدأ “تفضلوا فرجونا شو رح يطلع معكم”، ولاحقًا تنتقدونا وتنظروا علينا.. مدوا يد العون الآن، قدموا دعمًا ماليًا وأمنيًا وخبرات فنية وطبية وهندسية، استثمروا في هذا البلد وشعبه، وهذه دعوة للجميع دون استثناء، فالمصالح مشتركة، والأمن مشترك، والسلام مشترك، وسيجلب الازدهار لكل شعوب المنطقة والعالم.

اعتقدت سابقًا أنه إذا سقط الأسد، “وإذا” هذه كنت أقولها من شدة الإحباط الذي وصلت إليه شخصيًا جراء الخذلانات المتتالية من أصدقاء الشعب السوري قبل غيرهم! كنت أقول: “بس نخلص من الأسد يمكن نغلق أبواب سوريا علينا ونجلس نبكي سنين من جروح القهر بأرواحنا”. لكنني اليوم وبمجرد أنني عشت لأرى سقوطه بأم عيني، لم أعد أفكر بالبكاء على الماضي، لن أدع هذا النظام الإرهابي وتاريخه الدموي يشغلني عن التطلع إلى المستقبل والعمل على بنائه، العمل على أن تكون بلدي سوريا، دولة تحترم حقوق الإنسان وحريته، دولة لكل أبنائها وبناتها، دولة لا تكون فيه الكلمة مكتومة، أو حرية التعبير جريمة!

وهنا سأناشدكم يا ولاد البلد، تعالوا لنضع الماضي جانبًا.. تعالوا لنبدأ من حيث سقط الأسد، تعالوا لنتعاهد على تمجيد ذكرى شهدائنا، ونجعل تضحياتهم لا تذهب سدى. أن نستمر بالابتعاد عن الانتقام، ونلجأ إلى العدالة الانتقالية. كل الضحايا يعرفون جلاديهم، والقضاء العادل سيعيد الحق لأصحابه، وسينصفنا في دولة الحقوق المتساوية، التي نطمح إليها، والتي سنبنيها بعرقنا ودموع الفرح.. لن يفلت القتلة من المحاسبة، سنطاردهم بالمحاكم المحلية والدولية، وسنرميهم في مزابل التاريخ حيث مكانهم الصحيح.. عاشت سوريا العظيمة، وانتهى زمن الأبد..