استيلا قايتانو.. من قسوة المنفى إلى حرية الكتابة! Foto: Samah Al-Shagdahri
3. ديسمبر 2024

استيلا قايتانو.. من قسوة المنفى إلى حرية الكتابة!

في لقاء خاص ومؤثر، جلست مع الكاتبة والناشطة الحقوقية استيلا قايتانو، التي تجسد قصتها مثالاً حياً للإصرار والتحول الإيجابي. استيلا، القادمة من جنوب السودان والتي تعيش الآن في ألمانيا، شاركت “أمل هامبورغ” تفاصيل رحلتها من معاناة المنفى إلى إنجازاتها الأدبية التي تمثل صوتاً للمظلومين وأداة للتغيير. بدأت استيلا حديثها بقولها: “لم أكن أريد الهرب فقط، بل أردت بناء جسور التواصل بين أبناء بلدي”. وقد حملت معها خمسة كتب تشمل روايتين، مجموعتين قصصيتين، وكتاباً للأطفال، تعبر فيها عن هموم الناس وأوجاعهم. خلال حديثنا، بدت كلماتها وكأنها صرخة لكل من يعاني القمع، إذ تسعى من خلال كتاباتها لتعريف العالم بقضايا السودانيين وحقوقهم.

الكتابة كفعل مقاومة عند استيلا قايتانو

عند سؤالها عن دور الكتابة في حياتها، قالت: “الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد هواية، بل هي واجب. أريد أن أكون صوتاً لمن لا صوت لهم. أحلم بمستقبل أفضل لكل النساء، حيث يُحترم حقهن في الحياة والحرية”.

وأثناء اللقاء، تحدثت عن شعورها بالحرية في ألمانيا، قائلة: “أستطيع الآن كتابة قصصي بحرية، بعيداً عن قيود الرقابة. في كل صفحة أكتبها، أراهن على الأمل”. استيلا تؤمن بأن الكتابة يمكن أن تكون أداة قوية للنضال. أكدت ذلك بقولها: “أؤمن بأن الأدب يمكن أن يكون سلاحاً قوياً ضد الظلم، وباستطاعتنا من خلاله إحداث فرق حقيقي”.

“أرواح إيدو” و”إريم” صوت المنفى ورحلة البحث عن الذات

في روايتها “أرواح إيدو”، تقول استيلا: “في كل صوت انفجار، لم تكن الأرض وحدها تهتز؛ كانت أحلامنا أيضاً تنهار تحت وطأة الحرب. ومع ذلك، كنا نبحث عن ضوء في ظلام القسوة، وكأن البقاء نفسه مقاومة”.

هذا المقتطف يعكس قدرتها على التعبير عن معاناة الحرب وتأثيرها النفسي العميق على الأفراد، ويبرز هدفها في تسليط الضوء على الجانب الإنساني للحروب. وعند سؤالها عن كتبها، أضاءت عيناها وهي تتحدث بحماس عن روايتها الأولى “أرواح إيدو”، التي تعتبر من أبرز أعمالها. قالت: “أردت من خلال هذه الرواية أن أُظهر الوجه الإنساني للحروب، وأن أروي قصص الأشخاص العاديين الذين يطحنون في النزاعات دون أن يسمع صوتهم”. الرواية، التي حظيت بإشادة واسعة، تُرجمت إلى الإنكليزية، وهي تُترجم حالياً إلى الألمانية لتصل رسالتها إلى جمهور عالمي.

أهمية الترجمة في نشر رسالة استيلا قايتانو

“الترجمة ليست مجرد نقل نصوص من لغة إلى أخرى؛ بل هي وسيلة لتوسيع دائرة التأثير، خاصة في الأدب. من خلال تعاون استيلا مع المترجم غونتر أورث، استطاعت رواياتها، مثل ‘أرواح إيدو’، أن تصل إلى قراء لا يتحدثون العربية، مما ساهم في نشر صوت السودانيين ومعاناتهم في ساحات أدبية أوسع”. وعن روايتها الثانية “إريم”، قالت: “هذه الرواية هي امتداد لقصتي مع المنفى، ولكني أركز فيها أيضاً على البحث عن الذات والأمل”. وأوضحت أنها أنجزتها أثناء وجودها في ألمانيا، حيث منحتها الحرية والوقت للتفرغ للكتابة.

وفي الرواية، تقول استيلا:
“الغربة ليست مكانًا، بل شعور دائم بأنك تسير في الاتجاه الخاطئ. ومع ذلك، في هذه الأرض البعيدة، عثرت على ذاتي التي كنت أهرب منها طوال حياتي”.

تجربتها مع الترجمة وغونتر أورث

عندما تناولنا موضوع الترجمة، تحدثت استيلا بإعجاب وامتنان عن المترجم غونتر أورث، الذي كان له دور كبير في نقل أعمالها إلى الألمانية. وقالت: “لحسن الحظ، كنت أعرف غونتر منذ عام 2016، حيث ساعدني في ترجمة نصوصي إلى الألمانية. كانت تجربتنا معاً مليئة بالتحديات، لكنها غنية بالذكريات”. واستذكرت لحظة خاصة في مهرجان برلين للأدب العالمي، قائلة: “منعني النظام من السفر للمشاركة، لكن غونتر قرأ نصي أمام الجمهور. وعندما رأيت صورتي تعرض على الشاشة، بكيت، لأنني شعرت بأن كلماتي وجدت طريقها إلى الناس، رغم كل القيود”.

إنجازات أدبية ملهمة وصدى عالمي

خلال حديثنا، أشارت استيلا إلى واحدة من أبرز محطات مسيرتها، وهي توقيع كتابها في نادي القلم بهامبورغ. وقالت بفخر: “كانت تجربة لا تنسى. شعرت بالدعم والتقدير من الحضور. أكثر ما أثر فيّ هو ردود فعل القراء، الذين أخبروني كيف ألهمتهم كتاباتي. أحدهم قال لي إنه قرر تغيير مسار حياته بسبب ما قرأه، وهذا شعور لا يوصف”. كما تحدثت عن المنحة الدراسية التي حصلت عليها في ألمانيا، والتي وصفتها بأنها “فرصة ذهبية منحتني الوقت للتفرغ للكتابة وتطوير لغتي الألمانية للتواصل بشكل أفضل مع المجتمع الجديد”.

رسالة أمل وضوء تشق طريقها من ظلال المنفى

في نهاية اللقاء، سألتها عما يدفعها للاستمرار في الكتابة، فأجابت بابتسامة جمعت بين الإصرار والإيمان: “كلما زادت التحديات، زاد إصراري على الكتابة. أكتب من أجل أن أجد طريقي في الظلام، وأضيء ما هو مطفأ في دواخلنا”. وأضافت: “الكتابة ليست فقط تعبيراً عن الذات، بل هي وسيلة للمقاومة والتغيير. أحلم أن أترك أثراً، ولو بسيطاً، في حياة الناس” . تترك لنا استيلا قايتانو درساً مهماً أن الإبداع يمكن أن ينمو من الألم، وأن كل قصة تحمل في طياتها إمكانيات للتغيير. بقلمها الصادق وروحها الصامدة، تثبت أن الكتابة ليست مجرد كلمات تسطر على الورق، بل هي فعل مقاومة وأداة للتغيير، حتى في أحلك الظروف.