كنت قد غادرت للتو من عيادة طبيب الرئة وأقف عند إشارة المرور لعبور الطريق بالقرب من محطة Hoheluftbrücke في هامبورغ. كان يوم إثنين مشمش ودرجة الحرارة مرتفعة. فقررت في الصباح الذهاب للسباحة بعد موعد الطبيب واصطحبت حقيبة السباحة. مرتدية فستاني الصيفي البرتقالي يعلوه قميص أبيض وأدندن بعض الأغاني العربية.
قبل أن يتغير لون الإشارة من الأحمر إلى الأخضر التفتّ يساراً لمعرفة ما إذا كان هناك عدد كبير من الدراجات سيعبر الطريق. التقت عيناي مع رجل ألماني خمسيني كان يقف على طريق الدراجات، وكانت ماتزال هناك ابتسامة عريضة تعلو وجهي لسعادتي بالشمس الساطعة الاستثنائية. التفتّ سريعاً للاستعداد لعبور الطريق لكن اخترقت أذني عبارة “ مرتدية الحجاب القذر”.
صدمة المفاجأة.. ثم لمت نفسي
سريعاً وجهت كلامي إلى الرجل” أتتحدث معى؟ ماذا قلت للتو؟ “، فكرر العبارة مجدداً. تسارعت دقات قلبي وكان الرجل يسبقني قليلاً بعد أن كان يسير بمحاذاتي. فقلت بصوت مرتفع “asozial” وهو مصطلح ألماني يستخدم لوصف السلوك الذي لا يتناسب مع العرف الاجتماعي للتحقير من فعل معادي للمجتمع. استرسل الرجل في عنصريته وقال “geh nach Hause”. فأجبت سريعاً “لا. سأبقي هنا وإذا لم تكن سعيداً بذلك ، فيمكنك الذهاب للجحيم”.
أسرع الرجل أكثر في خطواته حيث كان يسبقني على الأقل بمتر واحد وبعد أن عبرنا الطريق للرصيف المقابل التفت إلي وقال للمرة الثالثة “مرتدية الحجاب القذر”. وقتها شعرت بالارتباك والإحراج فلم أكن وحدي أعبر الطريق، لكن على الأقل عبر بجانبي ٧ أو ٨ أشخاص شاهدوا ما حدث و لم يتدخل أو يُعلق أحد بشيء. رفعت صوتي أكثر وقلت للرجل “عنصري عنصري.. هل يجب أن أطلب الشرطة!” أسرع الرجل أكثر وكنت أتوقع أن ألتقيه داخل محطة الأوبان لكنه عبر من نفق داخل المحطة لطريق آخر.
كانت ماتزال دقات قلبي تتسارع وشعرت بالغضب والتشتت. غضب من تعرضي لهذا الموقف السخيف وغضب من الأشخاص الذين عبروا بجانبي كأني لم أكن موجودة وغضب من عدم سرعة تصرفي وإيقاف الرجل أو تصويره والتصميم على إبلاغ الشرطة. صعدت لعربة الأوبان وبحثت عن مقعد لأتمالك نفسي. شعرت بصمت شديد من حولي رغم الازدحام ولم استطع النظر في أعين الركاب. ترددت في الذهاب إلى المسبح، لكن في النهاية قادتني قدماي إلى هناك. استغرقت بضعة أيام ألوم نفسي على بطء رد فعلي الذي أضاع حقي.
تقدم اليمين المتطرف وشجاعة الجبناء في اظهار عنصريتهم
بعد إعلان نتيجة انتخابات برلمان ساكسونيا وتورينغن مساء الأول من سبتمبر/أيلول الماضي وتقدم اليمين المتطرف، شعرت سريعاً بتخوف من تأثير ذلك على حياة المسلمين في ألمانيا. لكن لم أتوقع أن يحدث ذلك سريعاً وأتعرض لهذا الموقف العنصري بعد أقل من 24 ساعة من الانتخابات. أتذكر ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2016 مع ترشح دونالد ترامب للرئاسة وما تلاها من سنوات شهدت ارتفاع معدلات العنصرية ضد المسلمين، حيث وقعت حوادث قتل وتعرضت نساء محجبات في الشوارع للبصق عليهن او التهديد.
وقتها كنت أٌغطي الانتخابات الأمريكية من مدينة نيويورك وشعرت بنفس إحساس التربص بأن شيئاً سيئاً سيقع. فخطاب ترامب العنصري شجع الجبناء من العنصريين على التعبير بشكل فج عن عنصريتهم والاعتداء بحرية على الآخرين. مرت السنوات وانتقلت للعيش في ألمانيا منذ أكثر من خمس سنوات تقريباً لأتعرض في هامبورغ منذ شهر مارس/آذار الماضي ثلاث مرات إلى إهانات عنصرية في أماكن عامة.
كل أربعة أشخاص من أصول مهاجرة يفكرون في مغادرة ألمانيا
وفقاً لاستطلاع للرأي أجراه المركز الألماني لأبحاث الهجرة والاندماج (DeZIM) فإن كل أربعة أشخاص من أصول مهاجرة يفكرون في مغادرة ألمانيا. حيث يرغب 24.1% من الأشخاص ذوي الأصول العربية في الانتقال لمكان إقامة آخر في حالة سيطرة حزب AFD على المدينة التي يعيشون فيها. ويأتي ذلك بعد التقدم الذي حققه حزب البديل من أجل ألمانيا AFD في انتخابات برلمان ولايتي تورينغن و ساكسونيا. يواصل حزب البديل اكتساب القوة في الولايات الشرقية وتتزايد حدة المناقشات حول سياسات الهجرة الأكثر صرامة. نشرت نتائج استطلاع الرأي يوم 9 سبتمبر/أيلول والذي شارك فيه 3000 شخص في ألمانيا.
أوضح عالم الاجتماع ماتياس كوينت، الذي شارك في الدراسة، أن البيانات تظهر أن خطابات الطرد اليمينية المتطرفة لها آثار ضارة على الكثير من الناس في ألمانيا وتضر بالسلام العام. كما حذر عالم الاجتماع الديني غيرت بيكل من لايبزيغ قائلاً “إذا فكر واحد من كل خمسة أشخاص في مغادرة ولايته الاتحادية في حالة فوز حزب البديل من أجل ألمانيا فإن هذا سيعني خسارة الخبرة والقدرة الاقتصادية في شرق ألمانيا ، مما يعني استحالة جذب العمالة الماهرة في ظل هذه الظروف”.