قد يكون العمل في المجال الثقافي على تنوّعه الأصعب في المهاجر وبلاد اللجوء. وليس ارتباطه باللغة هو العائق الأوحد لكنّ اختلاف الجذور وبالتالي اختلاف الرؤى لا يسهّل الأمر أبداً. وعلى الرغم من صعوبة الأمر إلا أن هناك أصواتاً ارتفعت وعلا شأنها ووصلت إلى العالمية. وهذا الأمل الذي يدفع الشباب إلى عدم الاستسلام. وحتى لا تبقى الأصوات فرادى يسعى بعض العاملين في المجال الثقافي إلى التغيير الذي يتجاوز التغيير الثقافي إلى السياسي والاجتماعي. ولعلّ أهمها ما يتعلّق بالمسرح، خاصّة في ظلّ انحساره أمام الشاشات الصغيرة والكبيرة.
ومن هنا بدأت رحلة مهرجان Nachbarșchaften – Komșuluklar التي لا تكرّم المسرح فحسب، بل تدعم الفنانين والفنانات ذوي الأصول المهاجرة أو اللاجئة. وقد تتعدّاه إلى محاولة خلق بيئة آمنة لهم. فما هي قصة المهرجان؟! وما هي أهدافه ورؤاه؟! وأسئلة أخرى أجاب عنها محمد “زيكو” غنيم المدير الفني لمشروع (سفارة الأمل) بمسرح تاليا ومنظّم المهرجان.
مهرجان Nachbarșchaften – Komșuluklar
المهرجان العابر للثقافات، كما وصفه محمد زيكو غنيم، الذي أقيم لأول مرة في خريف 2021 بمناسبة الذكرى الستين لاتفاقية التوظيف بين ألمانيا وتركيا. أنشأ مسرحاً للمجتمع الجديد. وبالإضافة إلى التطور الفني “يتخذ المهرجان موقفاً ضد السياسات الإقصائية التي تهدد حالياً التماسك والأرضية الديمقراطية المشتركة”.
أما عنوانه فله قصّة أخرى؛ فكلمة Nachbarschaft في اللغة الألمانية لا جمع لها “لكننا كسرنا القاعدة لنعبّر عن فكرة أن هناك أكثر من Nachbarschaft فأضفنا لها حالة من حالات الجمع في اللغة الألمانية لتصبح “مهرجان Nachbarșchaften ” وأضفنا الكلمة نفسها باللغة التركية. واجهتنا مشكلة الكتابة بحرف ș بشكله التركي الذي يشبه لفظ Sch بالألمانية”. “لكن الهوية البصرية لتاليا واللعب على الكلمات وكسرها ساعدنا لننجح في كسر النمط هنا أيضاً. أما كلمة Altenova فهي للدلالة على منطقة ألتونا التي كان يسكنها الكثير من الأتراك والعمال الضيوف من جنسيات أخرى”.
علاقة حي Ottensen بالمهرجان؟
فحيOttensen الذي يعدّ من أشهر أحياء Altona كان مملوكاً من الأتراك بنسبة 90% في التسعينات. ولم يكن محبوباً من قبل الألمان حينها، لأنه يعجّ بالعمال الضيوف. أما الآن فتعيش فيه غالبية ألمانية. وهو ما دفعنا إلى التركيز على الـ Genterfication ومعناه تغيير طابع الحي من خلال تدفق المزيد من الأثرياء والاستثمار الذي زاد من قيمة الحي الاقتصادية.
” نحن نركّز على هوية الحي وأبنائه، وكيف يعيشون حياتهم الثقافية خاصة وأن هذا الحي هو موطن “Fatih Akin” وهو من أهم المخرجين الألمان. وتميّز بأنه صوّر أهم أفلامه وأغلبها في هذا الحي”. ” ولأنه قدوة لنا ولأهل الحي هنا نعمل الآن على إخراج مسرحية مستوحاة من الأماكن التي صوّر فيها أفلامه”.
تأثر المهرجان بالتغييرات السياسية والاجتماعية؟
منذ بدايته أكد المهرجان على أنه مرتبط بما يحدث حوله من تغييرات سياسية واجتماعية. “نحن لا نعيش ضمن فقاعة مغلقة، ونتأثر بما يحدث حولنا”. ففي سنته الأولى كان مخصصاً للاحتفاء بالعمال الضيوف. ورغم قيود كورونا وصعوبتها حينها لم تمنع زيكو ويوليا من إنجاح المهرجان. وفي سنته الثانية سلّط الضوء على كارثة الزلزال الكبيرة وحرب أوكرانيا. أما عروض سنته الثالثة فكانت مصادفة تناسب ما يحدث في فلسطين.
“نحن نركّز على فكرة تقديم عروض لفنانين من خلفيات مهاجرة فهذا هو الخط الرئيسي الذي لا يتغيّر أبداً. بالإضافة إلى موضوع العنصرية الذي نتطرّق له كل عام. وقدمنا أكثر من عرض يتمحور حولها، كحادثة هاناو مثلاً. وهذه السنة سنقدّم عرضاً عن جرائم NSU العنصرية وهو عرض غنائي للتذكير بالضحايا بطريقة مختلفة ومميزة بعنوان Als wäre gestern gewesen”.
عروض المهرجان لعام 2024؟
هذه السنة هناك ضيوف من مانهايم وكولن وبوخوم. ووفقاً لزيكو ” نسافر زميلتي يوليا وأنا أكثر من مرة خلال العام لنتابع مسرحيات ذات جودة عالية وصناعها من أصول مهاجرة في أماكن مختلفة من ألمانيا. لنختار العروض التي ستشارك في المهرجان. خاصة وأن المهرجان في أساسه قائم على الضيوف من خارج هامبورغ”. لكن تخفيض التمويل الذي تعاني منه كافة الجهات الثقافية في ألمانيا كلها دفعهما إلى تخفيف الضيوف. “ففي العام الماضي كان هناك أكثر من 100 فنانة وفنان من كافة أنحاء ألمانيا”.
كما يعتمد المهرجان على عروض ينتجها مسرح تاليا. “ننتج ثلاثة أعمال سنوياً وأنا شخصياً أنتج عملاً كل عام. وهذا العام سيكون العرض العالمي الأول لمسيرة صوتية جديدة في شوارع ألتونا Yol oder ein Zebrastreifen geht Sonne suchen والذي أخرجته عن نص لنايل دوغان، وشاركنا الموسيقي يزن الصبّاغ الموسيقى المرافقة لها”.
التركيز على صعود اليمين المتطرف ونجاحهم؟
تحدّث زيكو عن توجيه عملهم لمواجهة الواقع السياسي وصعود اليمين المتطرّف؛ فمسرح تاليا هو مسرح المدينة. “ليست صدفة لأننا منذ عدة سنوات شعرنا بتقدّم اليمين واليوم نواجه معضلات يسببها وجود حزب AFD في كل مؤسسة وتأثيره على كل قرار يخص التمويل. سواء كان لسفارة الأمل أو للمشاريع التي يقدّمها المهاجرون، وهم أمر واقع”.
و”المهرجان هذا العام هو دعوة لعدم الخوف، دعوة للاجتماع في مساحات آمنة للتعبير عن أنفسنا ولعرض ثقافتنا وتوجيه الطاقات لنكون رادعاً في وجه هذا المد المتطرف. فهدفنا هو بناء مؤسسات تدافع عن حقوقنا كلاجئين ومهاجرين ومواطنين ألمان من خلفيات مهاجرة. وأن نقف في وجههم بما نقدّمه من صورة إيجابية عبر الموسيقا والفن والثقافة”.
لكنّ زيكو يعتبر أن هناك سوء فهم للديمقراطية. “بالنسبة لي لست خائفاً من أن يحكم اليمين لأننا في النهاية نعيش في ظلّ الديمقراطية الليبرالية التي تحدّ من تطرفهم. وهناك دستور وقضاء يحكم باسم الدستور سيمنعهم من إصدار قرارات متطرفة. لكن علينا أن نمتلك الوعي السياسي وأن نشارك في المظاهرات المناهضة للعنصرية وأن نكون مؤثرين بمشاركتنا في الانتخابات”.
هل هناك بدائل للتمويل في حال استطاع اليمين منعه عنكم؟
“هذا العام يمكن أن يكون الأخير بالنسبة لنا بسبب التمويل، فلا شيء واضح حتى الآن. لكن من الجميل أن نتحدّث عن هذا الموضوع عبر منصة أمل هامبورغ، فصحيح أن هناك جزءاً تموله الدولة لكن مؤسسات اقتصادية عديدة تساهم بتمويل هذه الفعاليات. فما الذي يمنع الاقتصاديين العرب من تمويل مشاريعنا الثقافية خاصة وأن هذه المساهمات تعدّ جزءاً من الضرائب التي يدفعها التجار”.
الصور لـ Christian Kleiner و David Baltzer وFabian Hammerl