كان الفصل بين الجنسين في الرياضة تقليدًا تاريخيًا طويلًا يعتمد على فرضية أن الرجال والنساء يختلفون بيولوجيًا. وبالتالي يجب أن يتنافسوا في فئات منفصلة لضمان أن تكون المنافسة عادلة ومتوازنة. هذا الفصل كان يهدف مراعاة الفروق البدنية المختلفة بين الجنسين. لكن مع الاعتراف المتزايد بوجود تنوع جنسي (مثل الحالات العابرة للجنس والبينية الجنسية)، تبرز التساؤلات حول مدى استدامة هذا النظام ومدى قدرته على تلبية احتياجات جميع الرياضيين/ات.
حالة الرياضية الجزائرية إيمان خليف
هناك أمثلة توضح هذه الإشكالية، ففي مارس/ آذار 2023، واجهت الملاكمة الجزائرية إيمان خليف لحظة صعبة بمسيرتها الرياضية عندما استبعدها الاتحاد الدولي للملاكمة قبل فترة وجيزة من مباراة الميدالية الذهبية في بطولة الاتحاد الدولي للملاكمة للسيدات. جاءت هذه الصدمة بسبب ما وصف بـ”عدم استيفاء معايير الأهلية”. أثار هذا القرار ضجة واسعة، حيث أصدرت اللجنة الأولمبية الجزائرية بيانًا يُشير إلى أن الاستبعاد جاء لأسباب صحية. ومع ذلك، كشفت تقارير لاحقة أن السبب الحقيقي كان مرتبطًا بموضوع حساس ومعقد وهو التحقق من الجنس في الرياضة.
ووفقًا لتصريحات رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة، عمر كريمليف، أثبتت اختبارات الحمض النووي أن خليف، إلى جانب رياضيين آخرين، يمتلكون كروموسومات XY، ما أدى إلى استبعادهم من المشاركة بالمنافسات الرياضية. هذه الحالة، التي تعرف باضطراب التطور الجنسي (DSD)، تعني أن بعض الإناث يمتلكن كروموسومات XY ومستويات هرمون تستوستيرون في الدم تقارب تلك الموجودة عند الذكور. ورغم أن خليف ليست متحولة جنسياً، إلا أن هذه النتائج وضعتها في موقف معقد، ليظل النقاش مفتوحًا حول العدالة في الرياضة ومعايير الأهلية للمنافسات النسائية، ومدى تأثير هذا النوع من القضايا على حياة ومستقبل الرياضيين.
حالة دوتي تشاند
أحد الأمثلة البارزة الأخرى هو حالة دوتي تشاند. حيث سُلّط الضوء عليها بسبب حالتها المسماة بـ “فرط الأندروجينية”، وهي شكل من أشكال البينية الجنسية. تم استبعاد دوتي تشاند مؤقتًا من المنافسات الدولية عام 2014 بسبب مستوى التستوستيرون الطبيعي لديها الذي كان يتجاوز الحدود التي تحددها القواعد الرياضية. وطُلب منها خفض مستوى التستوستيرون الطبيعي لديها لتتمكن من المشاركة في المنافسات. ولكن محكمة التحكيم الرياضي رفعت الحظر عنها في عام 2015 وأعطت الاتحاد الدولي لألعاب القوى مهلة لتقديم أدلة علمية تدعم القواعد الجديدة. نضال دوتي تشاند ضد هذا القرار، أثار نقاشًا عامًا حينها حول معايير الفصل بين الجنسين ومعايير مشاركة الرياضيين العابرين والبينين جنسيًا. توضح هذه الأمثلة التحديات التي تواجه الرياضة الحديثة بتحقيق الإنصاف مع احترام حقوق وهويات الأفراد.
الفصل بين الجنسين في الرياضة النشأة والأهمية
نشأ الفصل بين الجنسين في الرياضة من الجذور التاريخية المرتبطة بالأعراف الاجتماعية والأدوار التقليدية للجنسين. في البداية، تم استبعاد النساء من الرياضة باعتبار أن الأنشطة البدنية قد تؤثر سلبًا على صحتهن. ومع مرور الوقت، ناضلت النساء من أجل حقوقهن في الرياضة، مما أدى إلى تغير تدريجي. اليوم، يُقبل الفصل بين الجنسين في الرياضة على نطاق واسع لضمان شروط منافسة عادلة. بيولوجيًا، يميل الرجال والنساء إلى امتلاك صفات بدنية مختلفة تؤثر على أدائهم الرياضي. الرجال عادة ما يمتلكون كتلة عضلية أكبر وقوة بدنية أعلى، ما يمنحهم ميزة في بعض الرياضات مثل رفع الأثقال أو الركض السريع. بينما يمكن أن تكون النساء أكثر تميزًا في بعض الرياضات التحملية بسبب نسب الدهون الأعلى في أجسامهن. الفصل بين الجنسين في الرياضة يهدف لتعزيز تكافؤ الفرص والتأكد من أن المنافسات تُجرى بشكل عادل.
التحديات أمام الادماج.. هرمونات الجنس
تلعب هرمونات الجنس مثل الأندروجينات والإستروجينات دورًا أساسيًا في الأداء الرياضي. الأندروجينات مثل التستوستيرون تعزز كتلة العضلات وقوتها، ما يؤدي إلى أداء رياضي أعلى عند الرجال. بالمقابل، يساعد الإستروجين في تحسين كفاءة استخدام الطاقة بالجسم، ما يفيد النساء في الرياضات التحملية. حقوق الإنسان الأساسية تشكل الأساس للنقاشات القانونية حول الادماج. يجب أن يتمتع الرياضيون بفرص متساوية وحقوق متساوية بغض النظر عن هويتهم الجنسية أو سماتهم الجنسية. تتطلب القوانين المناهضة للتمييز حماية الأفراد من التمييز القائم على الجنس أو الهوية الجنسية.
وجهة نظر
أعتقد أنه من الممكن تبني نظام تصنيف جديد يعتمد على الجنس ومستويات الهرمونات قد يكون حلاً لضمان عدالة المنافسات. حيث يتنافس الرياضيون الذين لديهم شروط بيولوجية متشابهة مع بعضهم البعض. أو تبني نظام تقييم فردي لكل حالة على حدة، يأخذ في الاعتبار الخصائص البيولوجية والفسيولوجية الخاصة لكل رياضي/ة. يشمل ذلك مستوى الهرمونات، وكتلة العضلات، والبنية الجسدية. كما يمكن أن يُطلب من الرياضيات العابرات جنسيًا تعديل مستويات هرموناتهن لتتماشى مع مستويات هرمونات النساء غير العابرات، لضمان عدم تحقيق ميزة غير عادلة.
تظل قضية الفصل بين الجنسين في الرياضة في ظل تزايد الاعتراف بالتنوع الجنسي موضوعًا معقدًا. تتطلب إيجاد توازن بين الإنصاف والإدماج واحترام حقوق جميع الرياضيين وضمان عدالة المنافسات. من المهم أن تستمر النقاشات المفتوحة وتطوير الحلول المبتكرة لتحقيق هذا الهدف. إذ يمكن للرياضة أن تكون رائدة تعزيز التنوع والشمول في المجتمع. حالة إيمان خليف وغيرها تبرز التحديات وتؤكد الحاجة لإيجاد نهج شامل يوازن بين الإنصاف والإدماج، ما يساهم في خلق بيئة رياضية عادلة وشاملة..