نبحث دائماً منذ لحظة وصولنا عن حياة اجتماعية تشبه حياتنا في بلداننا. وعلى الرغم من اختلاف الأماكن وشكل الحياة هنا، يمكن لأغنية أن تعيدنا إلى هناك. وهذا ما تفعله موسيقا هبة سلامة بنا. تلك القادمة من مدينة حيفا، والتي تحمل في جعبتها مزيجاً من الموسيقا الحديثة والتراثية بطريقة متناغمة.
تعرّفت إليها أول مرة في إحدى صالات مسرح تاليا، وكنت يومها أحضر حفلة DJ لامرأة للمرة الأولى. وقبل أن تعتلي منصّتها شاهدنا حينها فيلماً تسجيلياً من أعمالها. فـ هبة سلامة التي عاشت حياتها في حيفا ودرست السينما اختارت العمل في المجال الموسيقي.
بداية مشوارها كـ DJ
أما اختيارها للعمل كـ DJ فكان بسبب حبّها الموسيقا. فوالدها شجّعها على حضور دروس الموسيقا “الأورغ”. “هو كان يرغب في أن يصبح موسيقياً. لكنه لم يظن أنني سأختار العمل في المجال الموسيقي بشكل كامل”. لكنّها تعرّضت لحادث صعب جداً تسبّب في تعطيل يدها اليسرى. “كنت أريد أن أعبر عن نفسي بالموسيقى لكنني لم أكن أعرف الطريقة المناسبة في البداية، لأنني لم أعد أستطيع العزف”. لكنّها اكتشفت أن هناك طرقاً تقرّبها من الموسيقا رغم مشكلتها الصحية، فوجود الكمبيوتر والموسيقا الالكترونية سهّل عليها الأمر. ” أستطيع أن أضيف الموسيقى التي أريدها باستخدام يد واحدة”.
وبدأت مشوارها ببيع ديسكات تنظّم أغانيها بنفسها لأصحابها في المدرسة حين كان عمرها لا يتجاوز الرابعة عشرة. كما نظّمت أغاني الحفلات التي تخصّ العائلة والأصدقاء. ثم انتقلت لتنظيم أغاني الأعراس. “وفي أحد الأيام كانت هناك حفلة في يافا لكنّ الـ DJ الذي كان من المقرر أن يحيي الحفل لم يستطع المشاركة بسبب عارض صحّي، فطلب منها القائمون على الحفلة، وهم أصدقائي، أن تحلّ محله. ولم يكن لدي وقتها أي خبرة في مجال الـ DJواكتفيت بترتيب الأغاني وتشغيلها واحدة تلو الأخرى”.
ابتدا المشوار مع اكتشاف الذات
وبعدها بدأت تكتشف نفسها. والرغبة الكبيرة التي تحملها لم تكن وحدها ما تحمله، بل إن خبرتها في مجال الموسيقا على أنواعها، سواء كانت مما حملته في ذاكرتها من أغاني التراث أو ما تعرّفت عليه خلال سفرها ورحلاتها. “وبدأت أدمج بين ما أتأثر به شخصياً وبين ما نشأت عليه من أغاني التراث. كأن أدمج بين أغنية للفنانة وردة الجزائرية والموسيقا الإلكترونية. وصرت أمرّن نفسي وأتعلّم لوحدي كيف أطوّر خبراتي”.
وبدأت تشارك في الحفلات وتتمرن وتكون جريئة في اختياراتها. وقررت أنها إن كانت ستعمل شيئاً فسيكون بطريقتها، بما تمتلكه من حسّ قوي وحنين وحب للتحدّي.

Hiba Salameh
هل تعرّضت للانتقاد أو لمواقف سيئة بسبب عملك كـ DJ؟
قد يكون حبّها للتحدّي هو ما دفعها إلى كسر الحدود. “في بداية طريقي كان الأمر غريباً بالنسبة لأهلي مثلاً. ولن أتكلم عن أحكام المجتمع وإنما عن أهلي. فبالنسبة لهم كنت منتجة أفلام. واعتبروا أن عملي في مجال الموسيقا فرصة للتسلية ولقضاء وقت مرح، وليس كعمل”.
ثم بدأت تسافر وتحيي حفلات خارج “البلاد” أي فلسطين. و”صرت أرسل لهم فيديوهات لحفلاتي. ثم قررت أن أدعوهم لحضور حفلة لي في حيفا. وكان ذلك في بداية طريقي. ليتعرّفوا على طبيعة عملي. كانوا سعداء بالتجربة ولن أنسى وجه أمي عندما سمعت صوت سميرة توفيق”. وبسبب دعم أسرتها لم تشعر بانتقادات المجتمع. “أكيد كان هناك انتقادات من وراء ظهري لكنني لم أتعرض لموقف مباشر. ربما لأنني كنت معروفة بأنني اكسر الحواجز، فأنا لست شخصاً نمطياً”.
كيف كان التعامل معك كفلسطينية؟
قامت هبة بجولة موسيقية بدأت في شهر نيسان/ أبريل، وقدّمت حفلات في برلين، واشنطن، مونتريال، تورنتو، أوسلو وعدّة أماكن في أوروبا. وخلال رحلتها لم تتعرّض شخصياً لموقف مزعج. وحين سألتها إن كان هناك تغيير في التعامل معها لأنها فلسطينية. قالت: “من الخارج ليس هناك تغيير ربما لأنني انتقائية مع الأشخاص أو الجهات التي أتعامل معها. وإن لم يعجبني التعامل أترك العمل بلا تردّد. فأنا كامرأة وكفلسطينية أطور نفسي وأطور الموسيقا التي أعمل عليها ولذلك لا أقبل بأقل مما أستحقّ”.
لكن هذا لا يعني أن الوضع اختلف بالنسبة لها، فحين قرّرت أن تأخذ استراحة وتقضي بعض الوقت مع أسرتها. حدث ما حدث وما زال يحدث في بلدها فلسطين. الأمر الذي أثّر على نفسيتها، وجعلها تتوقّف عن العمل فترة طويلة. بالإضافة إلى “التضييق الشديد” الذي دفعها إلى السفر في شهر آذار. “من ناحيتي هناك في نفسيتي شيء تغيّر. وأصبح لدي قناعة أن عليّ أن أقدر بقائي على قيد الحياة ووجود سقف يحميني، وكذلك أصبحت أقدر صوتي كفنّانة ودوري في نقل الحقيقة. فما لا أستطيع أن أتكلم عنه أنقله بواسطة الموسيقا التي أقدمها”.
الحديث عن تاريخ الأغنية الفلسطينية
ولأنّ العمل في المجال الموسيقي يغدو مجهداً في ظلّ الظروف القاسية. لم تشعر هبة أنّها قادرة على تقديم أي عرض موسيقي. وهذا ما دفعها إلى تأجيل عرض كان من المخطّط أن يحدث في آخر السنة الماضية. “لم أستطيع أن أقدم عرضاً موسيقياً أو أرقص وكأن الحياة مستمرة. لم يكن لدي قدرة على فعل شيء”.
لكنّها اقترحت على المنظمين أن تقدّم شيئاً آخر: “لأنني كنت أشعر أنني أريد أن أسمع صوتي وليس صوت الموسيقا. ورغم إيماني العميق بالموسيقا كعلاج. لكنني كنت أشعر بغصّة”. واختارت الحديث عن الأغنية الفلسطينية وتاريخها “أريد أن يعرفنا العالم بشكل أفضل، أن يعرف ثقافتنا وتاريخنا وموسيقانا لأجعل الناس تتأثر وتفكّر. فنحن شعب موجود لا يمكن إلغاؤه أو إلغاء ثقافته. لذلك قررت أن أبني هذا المشروع”.
وبالفعل قدّمت عرضاً دمجت فيه بين القصة التاريخية والموسيقا. ونجحت باستقطاب الانتباه من خلال استثمار خبرتها في إنتاج الأفلام. ولاقى عرضها في كلّ من لندن واسكتلندا نجاحاً. كما استمتعنا في ملتقى أمارجي بهامبورغ أيضاً بذلك العرض. “سأستمرّ بعرضه، لكنني أريد أن أطوّره أكثر. ومن الممكن أن يتحوّل هذا المشروع إلى فيلم مستقبلاً”.
وسط اجتماعي جديد
التجربة التي تعيشها هبة تمنحها سعادة كبيرة، ورغم الصعوبات لكنّها تتعرّف على مجتمع لم تكن تعرف عنه شيئاً من قبل. “ولأنني لم أكن أستطيع السفر إلى سوريا أو لبنان استطعت اكتشاف عالم لم أكن أعرف عنه شيئاً. وأصبح لدي أصدقاء عرب من سوريا ولبنان وسعيدة بصداقتي معهم”.