قبل عشر سنوات قدمت لوليا إلى المانيا، كان عمرها 11 عاما فقط. وهي الآن في مقتبل العشرينيات، وطالبة في كلية الطب. لكنّها مرّت برحلة التغيير من الصيدلة إلى الطب. فبعد تخرجها من مدرسة ألمانية، وإجادتها للغة الألمانية، وتجربة مع دراسة الصيدلة لمدة عام. اكتشفت أنها أخطأت الطريق، حيث لم تكن الصيدلة هي الخيار المناسب لها كما أدركت ذلك لاحقا. واضطرت لدفع الثمن عاماً وقررت استثمار سنة من وقتها في الخدمة الاجتماعية قبل أن تحصل على فرصة لدراسة الطب البشري. وفي كل الأحوال فإن “أحد أهم الأشياء وأحسن الأشياء وأعظم الأشياء بالنظام الجامعي الألماني هي الدراسة مجاناً”ً حد تقديرها.
الأوضاع في المشافي بالنسبة لـ لوليا
في الخدمة التطوعية عملت بمستشفى هيدبرج في مجال التمريض والعناية الجسدية بالمرضى لمدة 12 شهرا. وخلال ذلك اطّلعت عن قرب على وضع النظام الصحي الألماني، الذي يمنح المريض امتيازات كثيرة. غير أنه أيضا يعاني من الازدحام والضغط الشديد على الكادر الطبي، الذي لا يتمكن من منح كل مريض ما يحتاجه من الوقت والعناية. كما أنها كمهاجرة لاحظت حاجز اللغة الذي قد يحرم من الحصول على التطبيب المناسب أحيانا، لأنك لا تستطيع فهم حالتك من الطبيب بشكل دقيق.
التمييز والعنصرية
لم تكن اللغة هي المشكلة الأبرز وفق تجربتها لأن هناك مكاتب ترجمة تتعامل مع المشافي لتجاوز هذا الإشكال. ويمكن أيضاً الاستعانة بأقارب يجيدون الألمانية، لكن مشكلة التمييز ضد المهاجر، خاصة النساء المحجبات، كانت لافتة وفق تجربتها الأسرية. فهن يعانين من التمييز السلبي بطريقة أو بأخرى لدرجة أن الطبيب رفض معالجة والدتها وجدتها لمجرد رفض الأخيرة مصافحته بحكم عاداتها الدينية. وهو ما لا يعد مبرراً لحرمانها من فرصة التطبيب؛ ومن هنا بدأت تكتسب خبرة الألم الذي يعانيه المهاجر في مجتمع لا يرحب كثيراً بالمختلف دينيا. لدرجة أن المرضى قد يرفضون تقبل خدمة الممرضة المحجبة، وفي أحسن الأحوال تتغير لغتهم وتعاملهم معها. وقد يعبرون عن رغبتهم في مغادرتها بلدهم، وهذا مؤلم جدا بالنسبة لها، وإن كانت تجربتها الشخصية في هذا الجانب مغايرة.
صعوبات يتعرّض لها طالب الطب
رغم هذه الصعوبات التي خبرتها، وبإرادة قوية. تجاوزت الأمر وأصبحت تركز أكثر على تعلم الطب عن طريق المنح/ القروض الممنوحة لدارسي الجامعات عبر نظام “بافوغ” بعد إثبات عدم القدرة المادية على توفير نفقات الدراسة. التي تستعاد لاحقاً من راتب الطالب بعد توظيفه. وهذه أقرب الطرق لتجاوز الصعوبات المالية في التعليم الجامعي. وخاصة في مجال الطب شديد التعقيد منذ مرحلة القبول الجامعي حتى القبول في المستشفى رسميا كطبيب. لكن الراتب الممنوح للطبيب أو الممرض لا يتناسب أبداً مع الجهد الكبير والضغط اليومي، ولهذا هناك عجز بالعمالة في المجال الطبي.
الشغف وقوة الإرادة دفعا لوليا إلى المجال الأشد تعقيداً في الدراسة الجامعية، ولم تستمر في دراسة الصيدلة رغم حصولها على مقعد جامعي. وفضلت دفع ضريبة عمرية كبيرة، حيث توقفت عاماً كاملاً، بعد حصولها على الشهادة الثانوية ودخول الصيدلة. لتعمل في مجال التمريض لمدة 12 شهرا بشكل تطوعي لتنتقل إلى مرحلة جديدة. وتعود من قسم التمريض لامتحان قبول الطب الذي تجاوزته بنجاح، وما تزال تنتظرها قرابة عشر سنوات من العمل المنهك لتصبح طبيبة متخصصة. بعد حصولها على مقعد لدراسة الطب البشري في جامعة هامبورغ.
الخيار الصعب قدر من يبحث عن التميّز
بشأن صعوبة الاندماج، أو التمييز القائم على الزي (كونها محجبة) تقول لوليا أن الأمر يتعلق بمن تقابله. حيث يختلف الموقف من شخص لآخر، وبعضهم قد يفضل التعامل مع غير المحجبة. لكن الأمر ليس ثابتا، ولم تواجهه شخصيا. والأهم في نظرها هو خدمة الآخرين، وهذا ما تتيحه مهنة الطب رغم صعوبة طريقها. لكن الخيارات الصعبة قدر من يبحث عن التميز والشغف في الحياة الدراسية والعملية، وهذا ما قررته وبدأت مسيرتها فيه.