Foto: cottonbro studio/ Pexels
2. فبراير 2023

اختيار المدارس في ألمانيا.. ضغط أم تراخي؟

تبدو البدايات دائماً مرهقة كالبحث عن إحدى الجهات في غابة تلتفّ أشجارها، ولا دليل يقود خطواتك. هذا ما شعرنا به عندما حان وقت دخول ابنتنا المدرسة في عامها الدراسيّ الأول. كان كلّ همّنا حينها أن نجد لها كيس السكاكر المناسب أو كما يقال له هنا: “Schultüte” وهو تقليد لتشجيع التلاميذ الذين يدخلون المدرسة حديثاً. ملأنا الكيس المخروطي المصنوع من الكرتون بما لذّ وطاب من الحلويات وبهدية صغيرة حملته في اليوم الأول في المدرسة. وشعرنا حينها أنّنا حقّقنا إنجازاً كبيراً وأن المهمّة تمّت على أكمل وجه. مرّت السنوات الأربع ونحن الآن أمام تجربة أصعب. فعليها أن تختار ونختار معها المدرسة المناسبة للمرحلة القادمة. وهنا لا بدّ أن أقول إننا حرفيّاً داخل متاهة حقيقية.

الدراسة أولاً

لم يكن الأمر صعباً حين كنّا صغاراً فأغلبنا يهيّأ مسبقاً لفكرة الدراسة، فالمستقبل هناك مرتبط بالشهادة الجامعية وحبّذا عندها أن نكون أطبّاء، صيادلة ولا مانع إن كنّا مهندسين. وعبارة تلاحقنا طوال فترات الدراسة: “إنه مستقبلكم فنحن لا نملك مصانع أو ثروات لترثوها بعدنا!” وعلى خطاً ثابتة تكون علاماتنا مرجعيّة لها يوزعوننا على مدارس عامّة أو مهنيّة. الأمر بسيط جدّاً!

أمّا هنا فهو معقّد ويختلف بين ولاية وأخرى، بل بين مدرسة وأخرى. وعلينا أن نقرأ الأنظمة الداخلية ونبحث عميقاً قبل أن نختار ما يناسبنا. ناهيك عن ثقافة لم نعتدْ عليها لا في مدارسنا ولا في بيوتنا؛ وهي أنّ علينا ألّا نضغط على أبنائنا.

ليس لزاماً عليهم أن يعودوا إلى بيوتهم بعلامات كاملة، ولن تتوقّف الأرض عن الدوران إن لم يرغب أحدهم بدخول الجامعة. فهناك سُبلٌ أخرى يمكن خوض غمارها، والمهمّ أن يكون سعيداً ويستمتع فيما يفعله.

وسأصدقكم القول هنا! أنا شخصيّاً أعيش تناقضاً كبيراً بين ما تربّيت عليه وبين ما أعيشه الآن مع ابنتي. ولنحلّ المسألة ونخفّف ذلك العبء قررنا في المنزل أن ننتظر تقييم معلمتها والّذي يلعب دوراً مهمّاً في الاختيار.

متاهة الأنظمة في المدارس

على طلّاب الصفّ الرابع أن يختاروا وفقاً لرغباتهم وبما يتناسب مع علاماتهم بين مدارس Gymnasien (وهي مدارس ذات مستوىً علميٍّ عالٍ وتهدف إلى توجيه الطلّاب للالتحاق بالتعليم العالي) ومدارس Stadtteilschule (وهي مدارس يمكن للطلاب فيها الاختيار بين التعليم العالي والمهني). ورغم أن الطلّاب يحصلون على توصية من معلّميهم، يحدّدون فيها المدرسة المناسبة وفقاً لرؤيتهم. إلا أن الكلمة الأولى والأخيرة تبقى للأهل الذين يحدّدون ما يتناسب مع أبنائهم.

كما أن وجود الطلّاب في كلا المدرستين لا يعني استمرارهم فيها. فبعد سنتين (أي عند اجتيازهم الصفّين الخامس والسادس) تناقش المدرسة الأهل وفقاً لمستوى الطالب ودرجاته فكرة استمراره في نفس المدرسة أو ضرورة انتقاله إلى مدرسة أخرى سواء كانت المدرسة Gymnasium أم Stadtteilschule.

لكنّ الأمر لا يقتصر عند هذا الحدّ، فكلّ مدرسة تقدّم برنامجاً خاصاً بها. فوفق ما شرحته لنا معلّمة ابنتي: هناك مدارس تولي اهتماماّ للموسيقا مثلاً أو المسرح، للعلوم والأبحاث أو تقدّم برنامجاً خاصّاً باللّغات. وهذا يعني أنّ على الأهل الانتباه عند الاختيار!

مفهومات غامضة وعقبات تواجه الأُسر

وككثير من القضايا الشائكة التي نعيش صراعاً دائماً في مواجهتها أو تخطّيها. تعاني بعض الأسر من التناقض بين مفاهيم حملوها معهم وبين ما يسمعونه ويعيشونه هنا. وما يزيد المسألة صعوبة هو الشعور بالخوف من المجهول والعنصرية. التي تتبدّى بوضوح أثناء حصول بعض الطلّاب على توصية بعدم الذهاب إلى Gymnasium رغم مستواهم الجيّد. عدا عن مشاكل اللغة التي تمنع الأهل من فهم الآليات والقوانين.

ضغط أم تراخي واستهتار

كيف يمكننا أن نتغاضى عن أفكار زرعت داخلنا تدفعنا إلى التفوّق وتحصيل أعلى الدرجات؟! وبين ما يزرع في رؤوس أبنائنا من أفكار تدعم الرغبة بالتساهل والبحث عن الحلول المريحة. ومحاولة تسويق فكرة اختيار الطالب المدرسة التي لا تشكّل عبئاً أو ضغطاً على الطالب.

وهل يعتبر إصرارنا على دفع أبنائنا نحو الكمال سبباً في المزيد من الضغوط النفسية؟! والأهمّ من هذا كلّه؛ هل تتعامل الأسر الألمانية مع الموضوع بتساهل أيضاً؟ الأمر الذي أنكره أكثر من شخص خلال نقاشات عدّة. فقد قالت لي زميلتي في دورة اللغة الألمانيّة مرّة أن فكرة التراخي، إن صحّ القول، لا تنطبق على كل العائلات الألمانية. فكثير منهم يعملون على تأسيس أبنائهم ودعمهم بدروس إضافية لتحسين مستواهم الدراسيّ. وإنهم يؤمنون بضرورة الحصول على شهادة جامعية وتأمين مستقبلهم كما نفكّر نحن.

لمعرفة أنواع المدارس في هامبورغ اضغط هنا، ولنظام المدارس في ألمانيا هنا