40 عاماً مليئة بالأحداث والعمل والكد قضتها مها في ألمانيا وطنها المختار كما تصفه منذ أن غادرت سوريا في عام 1981. لتبدأ حياة جديدة بكل تحدياتها وإنجازاتها. تتذكر مها كيف أن محاولاتها السابقة في السفر إلى ألمانيا لم تنجح، إلا أن الزواج من رجل يعمل بالتجارة والاستيراد ما بين ألمانيا وسوريا مثّل لها بطاقة عبور إلى حلمها المستقبلي وإلى حياة مستقلة وإلى حقها الشرعي بالحرية واحترام المرأة. هذه الحاجه للحرية والثقة بالنفس موجودة عندها منذ طفولتها والسبب هو أبوها الحر في تفكيره واحترامه للمرأة.
بسبب حملها بطفلتها الأولى لم تذهب مها إلى مراكز تعلم اللغة، وتمكنت بعزيمتها القوية من تعلم اللغة الألمانية بطلاقة في المنزل من خلال زملاء زوجها الألمان الذين صاروا أصدقاء لها، ويعملون على تقديم المساعدة لها بشكل متواصل. أنجبت مها خلال هذه الفترة طفلتين، وكرست حياتها لتربيتهما والاهتمام بمتطلباتهما لكن الأوضاع انقلبت وجاءت الرياح بما لا تشتهيه، فقبل أقل من عشر سنوات على استقرار الأسرة بألمانيا كاد الحلم أن يتحطم مع مشاكل مالية واجهت عمل الزوج وأدت إلى إفلاسه وعودته للعيش في سوريا.
لم تقبل مها بالعودة معه إلى سوريا، فكانت تخشى من أن تستحكم غيرته وتسلطه عليها وعلى بناتها. وقررت البقاء في البلد الذي أحبته مهما كانت العواقب، على الرغم من إدراكها أن تحمل مسؤولية العائلة وحدها لن يكون بالأمر السهل. وتضيف: “كان من الصعب علينا العودة إلى سوريا وقد أحببت العيش بألمانيا، وبناتي لا تعرفن حتى اللغة العربية، ولا ترغبن بالعودة”.
اجتهدت مها في البحث عن عمل، حيث لم يعد للعائلة بعد الانفصال مصدر دخل، والتحقت بالعمل في سكرتارية إحدى المدارس بنصف دوام. لم تكن الوظيفة مقنعة لامرأة تحمل مؤهلاً جامعياً في الرياضيات لأنها بعيدة عن تخصصها، ومؤهلها أرفع منها، لكنها كانت الخيار الذي لازمها لمدة 24 عاماً وهو استقلالية مادية فيما بعد لكنها قبلت الوظيفة، وصارت المدرسة نافذة لمراجعة تخصصها في الرياضيات، وتعلمت العمل على الكمبيوتر، ونظمت دروساً خصوصية للطلاب في المنزل، مما ساهم في تحسين مستواها المعيشي.
كبرت البنتان، واستطاعت مها العمل بدوام كامل، وقبل عامين من التقاعد التحقت بوظيفة في البلدية واشتغلت بالسكرتارية في مجال الحقوق مع محامين واستشاريين.
وصلت مها عام ٢٠٢٠ إلى مرحلة التقاعد، إلا أن شغفها بالعمل والتجديد جعلها ترتبط بأعمال تطوعية بدأتها عام ٢٠١٥ عندما جاءت أعداد كبيرة من السوريين هاربين من الحرب إلى المانيا، ومع ظهور فيروس كورونا 2020، التحقت بالعمل في الكنيسة مع زوجها الثالث لنقل الصلاة والتلاوة عبر الانترنت.
مها تسعى جاهدة لمساعدة اللاجئين السوريين بألمانيا، وتقديم الدعم والمشورة لهم، تقول: “بدأت بذلك منذ 2015، وأشعر بالمسؤولية تجاه هؤلاء اللاجئين، وأحب أن أكون جسراً بينهم وبين الألمان، وأساعدهم على التقارب والاندماج في المانيا لأن الاندماج هو شرط بغاية الأهمية لكونهم سعداء في البلد الجديد. حالياً تعمل مها على مساعدة اللاجئين في الاندماج، وترى أن الهجرة ناجمة عن مشاكل كبيرة وحرب وظروف سياسية، ولو كان الإنسان مستقراً في بلده لما اضطر إلى اللجوء.
تشعر مها بسعادة بالغة وهي تمارس الأعمال التطوعية وتقدم المساعدة للآخرين، وتطوعت في “هاندي كاب انترناشيونال” كاجتماعية ومترجمة للغتين العربية والألمانية بمشروع مختص باللاجئين ذوي الاحتياجات الخاصة.