يتجدد الحديث من حين لآخر عن ازدياد حالات الطلاق بين أوساط اللاجئين في ألمانيا. الحد الذي دفع بالكثير إلى اعتبارها “ظاهرة” لا بد من رصد أبعادها. خاصةً بعد ارتفاع نسبة الحالات التي استقبلتها مكاتب الإرشاد الاجتماعية والقانونية بشكل عام، والمساجد بشكلٍ خاص، في المدن التي يقطنها عدد كبير من القادمين الجدد.
لكن، وبعد مرور ثماني سنوات من اللجوء، يتبادر إلى الأذهان سؤال مهم: ماذا استطاع هؤلاء الأزواج أن يحققوا على الأراضي الألمانية بعد الانفصال؟ هل حققت المرأة ذاتها فعلاً كما تشتهي؟ هل استطاعت إدارة أمورها وأطفالها دون زوجٍ يشاركها حياتها؟ ثم ماذا عن الرجل وتقبّله للأمر؟ للإجابة عن هذه التساؤلات، التقينا مع أزواج منفصلين، خاضوا وعاشوا هذه التجربة هنا في ألمانيا..
انفصال ثم وصال من أجل مصلحة الأبناء!
السيدة سهيلة/ ٤٩ عاماً، أم لخمسة أطفال، تقول: “كانت حياتي مع زوجي جيدة إلى حد ما قبل رحيلنا من سوريا، وضعنا المادي ممتاز وأولادنا بخير، لكن بمجرد مجيئنا إلى ألمانيا، انقلب حال زوجي وصار عصبياً همجياً، يُعنّفني والأولاد لأتفه الأسباب، ويحرمنا التصرف في مالنا إلا للضرورة القصوى، ثم تطور الأمر إلى حد الخيانة الزوجية، فطلبت الطلاق منه، وحصل لي ما أردت بعد سنين من التحمّل والعذاب، ولكن قد تستغربين كثيراً إن قلت لكِ بأنني لم أستطع تحقيق أي شيء بعد الطلاق لوحدي، فحياتي ازدادت صعوبة بسبب مشاكل صحية جسيمة ألمّت بي، وهموم تربية الأولاد كثرت، وتحصيلي الدراسي في اللغة الألمانية فشل، فقررنا أنا وهو تحت إشراف الجهات المختصة أن يعود للعيش معنا بالمنزل ليساعدني بتربية أولاده لا أكثر. في حقيقة الأمر.. لم أحقق شيئاً على صعيد اللغة والعمل والسعادة الزوجية، لكنني على استعداد بأن أضحّي بأي شيء من أجل نجاح وسعادة أبنائي”.
نساءٌ تحدَّين مفهوم الزواج الشرقي!
أما حوراء/ 32 عاماً من العراق، فقد كان لها تجربة مختلفة، تقول: “بالنسبة لي لم أتمكن من الاستمرار بممارسة هذا الدور، وقررت الانفصال في مجتمع لا يعتبر المطلقة وصمة عار، بل يقدّم لها الدعم، وفرصة جديدة لكي تبدأ من جديد. أنا اليوم أدير مطبخاً للمأكولات العراقية في منزلي، واستطعت أن أكوّن عدداً لا بأس به من الزبائن العرب والألمان. لقد منحني الانفصال حرية القرار، فالبقاء في ظل رجل لا يفهم تطلعاتي، كاد أن يدمّر إمكاناتي ويحوّلني إلى إنسانة تابعة واتكالية”.
من جهتها، تقول سميرة/ ٢٥ عاماً، من المغرب، وهي أم لطفلين: “بعد عامين على الطلاق، أصبح أولادي اليوم أكثر توازناً وأقل قلقاً، إذ لا شجار ولا صراخ ولا عنف، وأصبحت بدوري أكثر قدرة على الاهتمام بهما، بدراستهما، وبدراستي أيضاً، فأنا في السنة الأخيرة من Ausbildung قسم محاسبة، وأعمل في وظيفة جيدة جداً بإحدى شركات الدولة هنا”.
تتابع سميرة: “العديد من الرجال يعيشون بمفهوم الزوج الشرقي، ويعتبر كل ما تحصل عليه الزوجة ملك له، ولا يحق لها أن تفعل شيء دون الحصول على موافقته، كما يحمّل الزوج زوجته جهد كبير دون أي تقدير، أنا أرى بأنه لا يمكن استمرار الحياة الزوجية بهذا النمط في دولة مثل ألمانيا”.
ماذا عن واقع الرجال؟
كان وقع الطلاق مختلفاً على معظم الرجال الذين لجؤوا إلى ألمانيا بهدف تمكين أسرهم من تحقيق أسمى معاني النجاح والسعادة. يقول عبد الله/ ٣٨ عاماً، من درعا: “عتبي كبير على المجتمع الألماني المضيف، بسبب قوانينه وقيمه التي شجّعت قيام الطلاق بيني وبين زوجتي، أنا لا أنكر أخطائي التي ارتكبتها بحق زوجتي، من إهمال وضرب وعنف منزلي، لكن كان عندي من الدوافع النفسية ما يبرّرها، وكنت أعتقد بأنها ستبقى تتحملني كما كانت في بلدنا، ثم حاولتُ كثيراً بعد ذلك إصلاح الوضع بيننا، لكنها أصرّت على الطلاق بعد معرفتها بكامل حقوقها هنا”.
يتابع عبد الله: “فعلياً، لم أستطع حتى الآن تحقيق ما حلمت به، فبعد خمس سنوات من الطلاق أعيش وحيداً دون زوجة وأبناء، بوظيفة يومية في Baustelle، ولقاءات متواضعة مع أبنائي بين الحين والآخر”.
أما فراس/٣٠ عاماً، من حلب، فيقول: “جئت مع خطيبتي إلى ألمانيا بعد تخرجّي من كلّية الطب، ثم تزوجنا هنا.. ولكن سرعان ما حصل بيننا شقاق كبير تحوّل فيما بعد إلى طلاق، لا أريد الخوض في الأسباب والتفاصيل، ولكنني أستطيع أن أقول لكِ بأنني لم أسمح لنفسي بأن أكون (أبو مروان) آخر! انفصلنا بالاتفاق، ولم يكن بيننا أولاد تربطنا، ثم ها أنا الآن أتابع مسيرة حياتي المهنية بثقة ونجاح.. الحياة لا تقف عند أحد”.
ضوء ضئيل آخر النفق.. لدخول عالم المجتمع الجديد!
بالرجوع إلى آراء المختصين في علم الاجتماع والخبراء بشؤون الأسرة هنا في برلين، أكّدوا لنا بأن الخيانة الزوجية ثم البطالة وما يتبعها من مشاكل نفسية وعنف عند بعض الرجال، كانت من أهم الأسباب الدافعة لطلب زوجاتهم الانفصال عنهم، لكن هذا الانفصال، وبعد الاطّلاع على سجلّات وأعمال الكثيرين منهم، لم يكن ليشكّل عائقاً أمامهم، فهناك من استطاع تحقيق ذاته بمفرده، ونجح في إقامة العديد من المشاريع الصغيرة هنا.
وبغض النظر عن النتائج السلبية للطلاق في أي مجتمع كان، فإنه يبقى ظاهرة متفاقمة بين الأسر العربية اللاجئة في ألمانيا، وإن اختلفت العادات والأعراف والقوانين، ويبقى بالنسبة للبعض حلاً غير مرضٍ وذا أبعاد خطرة على الأسرة، تهدد حياةً ومستقبلاً كان يُفترض به أن يزدهر ويعطي أملاً لأفراد جُدد يدخلون ضمن نسيج المجتمع الألماني.