اختتم الشهر الماضي أولمبياد اللغة الألمانية في دورته الخامسة هذا العام، الذي ابتدأت فعالياته في الخامس والعشرين، من يوليو في مدينة هامبورغ. على مدى اثنى عشر يوماً تنافس مئة شاب وشابة من أفضل متعلمي اللغة الألمانية حول العالم، تترواح أعمارهم بين 14 و17عاماً، ويمثلون سبعاً وخمسين دولة على لقب أفضل متعلم للغة الألمانية للعام 2022. هذا الحدث الذي يقام كل سنتين، ذهبت ميدالياته الذهبية لهذه الدورة من نصيب بوس باشاك من تركيا وزاروا من أرمينيا وستروغاريو من أرمينيا في مستويات اللغة الثلاث (A2 B1, B2)، فيما حصد ميداليات المركز الثاني والثالث طلاب من إيرلندا وجمهورية مصر العربية وجمهورية التشيك والبوسنة، والهرسك وإندونيسيا وجورجيا. وقد حظيت هذه الدورة باهتمام بالغ، إذ حضر حفل توزيع الجوائز الجهات الراعية والشركاء، بالإضافة إلى ممثلين رسمين عن وزارة الخارجية الألمانية.
أحلام وصعوبات
في يوم تكريم الفائزين، كنت أقصد الوفد المصري لإجراء لقاء معه، بحكم عملي الصحفي، غير أنني لم أتمكن من الوصول إلى موقع الحفل، كنت قد قطعت نصف الطريق تحت المطر، تفاجأت بأن المصاعد الكهربائية في بعض المحطات التي مررت بها معطلة تماما. لم يتح لي العبور بكرسيّي المتحرك، عدت إلى المنزل خائبة، لكن إصراري كان هو الغالب. اتصلت بمنسقة المهرجان التي أتاحت لي الوصول إلى الوفد المصري والحديث معهم عبر تقنية زووم.
مشوار الوصول والنجاح
تكون الوفد المصري من رانيا عبد الواحد 16سنة وجنى طارق 17سنة، بالإضافة إلى السيد معتز بالله سعيد أستاذ اللغة الألمانية الذي رافقهم في الرحلة. لم يكن الحظ وحده من أوصل الفتاتين إلى الأولمبياد، بل يقف خلفهما أعوام من الشغف والمثابرة والأحلام والتشجيع. بتلك الجهود توجت رانيا بالميدالية البرونزية في المستوى (A2). وخلال حديث مشوق معهم، يستعيد السيد معتز الظروف التي عاكستهم قبل الوصول إلى هنا إذ تأخرت رحلة طائرتهم القادمة من مصر مدة ساعة ونصف، وصلوا إلى مطار ميونخ الدولي بعد فوات الأخرى إلى المدينة التي احتضنت الأولمبياد، عقد الأمر إضرابات عمال شركة طيران لوفتهانزا، وبعد انتظار سبع ساعات في مطار العاصمة الكبير وصلوا هامبورغ عبر رحلة أخرى ولم تصل حقائبهم، غير أن الفتاتين كانتا بمعنويات عالية. وهما مستمتعتان بسحر هامبورغ و الحضارة الالمانية.
اللغة الأجنبية الثانية
من الصف الرابع الابتدائي بدأت رانيا بتعلم اللغة الألمانية في مدرستها في مدينة الإسكندرية، بينما بدأت جنى من الصف الثاني الابتدائي في مدرستها في القاهرة، في بلد “تعتبر اللغة الألمانية اللغة الاجنبية الثانية التي تدرس في مصر إلى جانب لغات أخرى اختيارية” حسب حديث السيد معتز. وسط هذا الزخم علمت الفتاتان بالمسابقة عن طريق المعلمات، فقدمن إلكترونياً في معهد جوته بالقاهرة، جرى الاختبار على عدة مراحل منها أونلاين واختبارات مباشرة في المعهد. في المرحلة الأولى رشّح كل معلم في مدرسته أفضل تلميذين متميزين لديه، ليس في مادة اللغة الألمانية، بل في جميع المواد الدراسية. انتظموا في اختبارات أونلاين على صفحة معهد جوته في بلدهم لمدة أسبوع، ترشح منها عدد من الطلاب إلى المرحلة التالية التي كانت اختبارات للغة الألمانية في مقر معهد جوته في القاهرة، واختبارات قياسية في تقييم المهارات الشخصية التشاركية، في كل مرحلة كان يستبعد العديد من زملائهم، حتى ترشيحهم الأخير للمنافسة في الأولمبياد. فيما خاض العشرات من المعلمين نفس المرحلة التنافسية نفسها اجتازوا اختبارات ومقابلات شخصية حتى وقع الاختيار على معلم واحد يرافق وفد بلده. ثم تلقت الفتاتان دورات وورش من قبل معهد جوته في سبيل إعدادهن للوصول إلى المانيا وفهم طبيعة الحياة والثقافة هناك.
قلق وخوف
تتفق رنا وجنى أن التجربة لم تخلُ من القلق والخوف في بدايتها، سرعان ما تلاشى ذلك عند الوصول إلى المدينة، سهل الأمر كثيراً سحر المكان ولطف الناس والحديث معهم بكلمات ومفردات مناسبة لمستوى تعلمهم للغة. رغم الخطأ البسيط فقد وصلت رانيا إلى المركز الثالث والميدالية البرونزية في مستواها. منحوا الاختيار بين موضوعات ثلاثة في المسابقة، اختارت رانيا الموضوع الأقرب لها لكنها نسيت كتابة اسمها، فتم ضمها إلى مسابقة الراب. بداية شعرت بالخوف، لكنها مع زميلتها تجاوزت الأمر، و كتبت مقالة عن الطبيعة في ألمانيا، واختارت صورة من جولات المدينة الثقافية والصناعية والسياحية، وارتجلت حديثاً عنها تحت أنظار لجنة التحكيم.
وتحقق الحلم
تتفق رنا وجنى أن الأمر ليس محصوراً بالتميز اللغوي فقط، لكن بالصفات الاجتماعية والشجاعة “الكثير من المشاركين لم يتملكهم الخوف ولو للحظة واحدة”. السيد معتز الذي يدرس اللغة الالمانية منذ 17 عاماً في مصر، يتحدث عن التغير الجذري في تعلم اللغات في مصر، والاستفادة الكبيرة من التطور التكنولوجي في تقنيات التعليم، سهل ذلك تواجد إنترنت ثابت في المدارس الحكومية، لكنه يأمل أن يضاف تقييم آخر هذا العام وتقييمات أخرى مثل المحادثة والسماع. جدير بالذكر أن السيد معتز ينتهج أسلوباً أكثر فاعلية وتشويق في تعليم اللغة الألمانية لأبناء بلده، إذ يعمل على برنامج أسمه “يلاد دوتش” يعرض فيه مسرحيات و أغان ومواد أخرى باللغة الألمانية، كل ذلك بمجهود ذاتي يهدف من خلاله إلى شغل أوقات فراغ التلاميذ، وإكسابهم اللغة مع مهارات اجتماعية أخرى، لبناء شخصية سوية مفيدة. في سبيل ذلك يقدم له معهد جوته الدعم من خلال توفير مساحة يقيم فيها أنشطته التعليمية. أحلام الفتاتين أضحت واقعية وملموسة بعد المشاركة في الأولمبياد، تريد رانيا أن تدرس العلوم في ألمانيا وتصبح كيمائية. بينما تتجه جنى في منحى معاكس، فهي تريد أن تعتاش من موهبتها في الرسم.