Foto: Heifaa Atfeh
2. أغسطس 2022

التواصل اللاعنفي كنهج لتحسين حياة البشر

نتساءل جميعنا ما الذي يثير هذا العالم بكل أبعاده؟ وماهو مبرّر ذلك العنف الذي يحيط بنا؟ ماهي أسبابه؟ والتساؤل الأهم هو كيف نستطيع الحدّ منه؟

ليس العنف بجديد على مجتمعاتنا كما أن مواجهته دائماً ما كانت هاجساً يؤرّق الداعين إلى السلام والتواصل السلمي. وانتهج كثير من الدعاة المقاومة السلمية في المواجهات غير المتكافئة مع العدو. ولعلّ أهمّ قادتها في العالم مارتين لوثر كينغ والمهاتما غاندي. الوجه السياسي للمقاومة السلمية ما لبث أن أصبح له نظائر اجتماعية ونفسية أطلق عليها التواصل اللاعنفي.

ما هو التواصل اللاعنفي؟

منذ معرفتي بالدكتورة دانية يعقوب سمعتها كثيراً تتحدّث عن التواصل اللاعنفي والذي تؤمن به كنهجٍ لتحسين حياة البشر. وهنا حاولت أن تقدّم بعضاً مما تعلّمته ولمسته خلال تجربتها، وهو غيض من فيض. حيث تصفه بأنه “أحد اللغات والأليات التي تمكننا من تحسين حياتنا لتصبح سليمة” فهو نهج وضعه الطبيب النفسي مارشال روزنبرغ. الذي ولد في أمريكا وأسس مركزاً للسلام وحل النزاعات والتواصل اللاعنفي في بداية الستينات من القرن العشرين. والذي يعرّفه بأنه طريقة تعتمد على التركيز على إقامة علاقات متعاطفة وإنشاء اتصال ذي جودة عالية بين البشر. ويتم ذلك من خلال وعي الإنسان باحتياجاته ومشاعره.

تؤكّد د. يعقوب أن هناك ممارسات وطرق حوار يمكن تصنيفها كإحدى أشكال العنف ومراحله تهدد نسيج المجتمعات ويسبب تصعيداً للصراعات. لذلك كان لابد من البحث عن طرق وآليات ناجعة تخفف من حدة التوتر الحياتية اليومية على الصعيد الأسري أو في بيئة العمل وفي البيئة المحيطة. فظهر التواصل اللاعنفي كآلية ولغة يمكنها أن تحتوي معاناة وآلام الناس عن طريق الإصغاء بالتعاطف. وهي طريقة إصغاء فعال لتخفيف التوتر وتقوية الحوار لتغذية الروابط الإنسانية.

“نحن نستخدم عادة في طريقة حوارنا الكثير من التقييم، التعميم والتفاسير المبنية على حوارات ذهنية داخلية. والتي يمكن أن تؤدي إلى نسج قصص تعرضنا لها في مواقف مشابهة وغالباً ما تكون هذه التفسيرات مجانبة للواقع المعاش” عادة ما يفتقد الحوار بين الناس للإنصات والتعاطف، والذي ينتج عنه أشكال المقارنة التي تصنّف كإحدى أشكال التواصل العنيف. نحن نتحدث عن كل ما يوجد في الذهن وننسى المشاعر والاحتياجات التي تتولد داخلنا، ويصبح الحوار حرباً كلامية بدلاً من تقوية أواصر التعاطف وبناء جسور تقوي الروابط الاجتماعية بين الناس. يرسخ التواصل اللاعنفي طريقة التعبير عما نعيشه ويعيشه غيرنا بصدق دون نقد وأحكام أو تعميم.

قواعد التواصل اللاعنفي

تؤكد يعقوب أن التواصل اللاعنفي لغة حياة ومثل أي لغة لها قواعدها؛ وأولها الملاحظة والتعبير عن المشاعر وربطها بالاحتياج والتحدث عنه بوضوح بالإضافة إلى الطلب. وكأيّ لغة يحتاج إلى تدريب دائم كما يتطلب أطراف مستعدة للتواصل اللاعنيف لأنه يعتمد على أطراف موافقة على هذه الأليات. “قام العلماء بالتمييز بين المشاعر والاحتياجات، وساعد التفريق بينهما لفظياً على التعبير عنهما والإحساس بهما”.

أمّا أهم آليات التواصل اللاعنفي بحسب د. يعقوب فهي التي نستخدمها مع الذات “خلال فترة تدريبي لاحظت بشدة تأثير التواصل العنفي مع الذات وأثره الذي يسبب قطع التعاطف مع الذات عند مقارنتها والحكم عليها وتقييمها، دون الإصغاء إليها بتعاطف وملاحظة ما يجري داخلنا بحياد دون تفسير وتعبير عن المشاعر” فالإصغاء مهم سواء كان للنفس أو للآخر. إن العنف عامة يظهر نتيجة عدم تلبية احتياجاتنا لذلك من اللطيف أن نقرأ كل المشاعر وما يختفي خلفها من احتياج كالغضب، الحزن، الفرح وغيرها من المشاعر.

من السهل الممتنع

قد يكون التواصل اللاعنفي بسيطا برأي د. يعقوب لكنه من السهل الممتنع الذي يحتاج إلى كثير من التدريب. لكنه دائما يساعد على رفع الوعي ويخرج ما هو جميل فينا حيث يحصل كل الأطراف على ما يهمهم دون شعور بالفرض والتهديد، الإهانة أو الإكراه، حتى عند قول كلمة “لا” فستكون بشكل لاعنفي فتتحقق فيها الحرية والإرادة دون انزعاج الطرف الأخر. يطبق التواصل اللاعنفي في المؤسسات التعليمية كمنهج تربوي وتعتمده كثير من مدارس العلاج النفسي السلوكي بالإضافة كونه ألية من الآليات المتبعة في تخطيط لبرامج السلام في كثير من دول الصراع راوندا نيجيريا ايرلندا والشرق الأوسط.

تجربة د. يعقوب كمدرّبة

لـ د. يعقوب تجربة كمدربة للتواصل اللاعنفي في تركيا ولبنان وألمانيا. بعد أن كانت مشاركة ومتدربة ثم منسقة في عدة ورشات استطاعت أن تطبّق هذه الآلية في مواقف عنيفة تعرّضت لها عبر محاورة المعتدي عند استعداد كلا الطرفين للحوار وتطبيق ما تعلمته، من خلال مخاطبة الإنسان فيه والتركيز على ملاحظتها له ولمشاعره وترجمت احتياجاته. فنجحت في تخفيف حدّة العنف: “كنت أعتقد وأؤمن أن الإنسان قادر على التعاطف والتواصل مهما كانت ظروفه وبيئته وطبعه، وتجربتي الخاصة هي الدافع لي لأنشر الفكر اللاعنفي والذي يسمى التواصل الرحيم”. ونوهت إلى أن الإصغاء والتعاطف بعيد كل البعد عن التواصل بالشفقة أوعن الملاطفة والمجاملة. وأن الصدق والشكر هما من أهم آليات للتواصل.