صعوبة إيجاد سكن في مدينة مثل هامبورغ عاشها ويعيشها الكثيرون، لكن تجربة الانتقال بمفردك لمدينة كبيرة ليس لديك بها معارف يجعل التجربة أصعب.! العيش وحيداً بينما تبعد آلاف الكيلومترات عن عائلتك التي مازالت في وطن تركته لتعيش في ألمانيا يجعلها أكثر صعوبة.!
في القاهرة، كان يمكنني طلب سيارة أجرة، وأن يساعدني حارس العقار فى حمل الحقائب. لكن الأن عليَّ حمل الحقائب بمفردي من الطابق الثالث، وأن أستقل الباص الذي يبعد عن المنزل 15 دقيقة، وأن أحملهم مجدداً للطابق الثاني. كان عليَّ أن أفعل ذلك ثلاث مرّات ذهاباً وإياباً. أتلفت يميناً و يساراً متمنيةً أن يعرض علي أحد المارة المساعدة. أعبر الإشارة للرصيف المقابل، حيث يجب أن أسير بالحقائب عشرة دقائق أخرى حتى أصل للمنزل الجديد. على امتداد الرصيف الممتلىء بالأزهار يميناً ويساراً، والذي كنت لأتمنى في أي يوم أخر أن يمتد طويلاً حتى استمتع بالأرصفة الخضراء خلال ممارسة المشي لساعات، لكن اليوم أريده أن ينتهي بسرعة. أنظر إلى السماء الملبدة بالغيوم في تخوف من أن تمطر فيداي الاثنتان مشغولتان بالحقائب ولا يمكنني استخدام المظلة الأن.
صعوبة إيجاد سكن في هامبورغ
منذ انتقالي في آذار/مارس 2019 للعيش في ألمانيا، وأنا مقيمة في نفس الشقة بهانوفر. شاءت الأقدار أن أنتقل في نفس الشهر لكن هذا العام إلى هامبورغ من أجل العمل. بقدر ما أسعدتني التجربة، شعرت بالقلق والإرهاق من عدم الاستقرار. لم أتوقع مدى صعوبة إيجاد شقة في هذه المدينة الواسعة. أجوب شوارعها ناظرة لأعلى، أتأمل المباني لعلّي أجد شرفة فارغة أو علامة تدل على وجود شقة فارغة للإيجار.
محاولات النصب
وجدت أحد الإعلانات على الفيسبوك. مالكة الشقة سافرت في مهمة عمل ولم تكن تتوقع البقاء ولم تترك مفتاح الشقة في هامبورغ ولحجز الشقة يجب أن أدفع مبلغ مالي. أخبرتها أني لا أمانع الدفع مقدماً، لكن يجب أن أرى الشقة أولاً، فقرأت رسالتي ولم تُجب. بحثت عن رقم المُرسِل فوجدته في إيرلندا.
بعد تجربتي المريرة الأولى، التي استمرت أسبوعين فور انتقالي إلى هامبورغ أصبحت أتحسس كثيراً من محاولات النصب على فاقدي الأمل مثلي في إيجاد سكن. سيدة ألمانية ذات الـ66 عاماً استأجرت غرفة بشقتها، لكنها لم تكن صريحة منذ البداية، ووقعت في الفخ. جدران الشقة كانت مثل الورق تسرب الأصوات بشكل مزعج أفاقني كل يوم من السادسة والنصف صباحاً عندما كانت تستيقظ مبكراً لإعداد الشاي أو صوت عربة القمامة أسفل نافذتي، ناهيك عن المبنى المقابل الذي يُعاد ترميمه. في مساء اليوم الثاني لإقامتي بالشقة سألتني السيدة: لماذا أجلس بالمنزل ولم أخرج؟ لم أفهم إذا كانت تسأل من باب التطفل أم تريد الاطمئنان على أحوالي. تبادلنا بعض الكلمات، لكنها في النهاية صارحتني أنها كانت تتوقع أن أقضي اليوم بأكمله خارج المنزل، وأعود في المساء للنوم. بعد بضعة ايام اشتد الخلاف بيننا، وأعربت السيدة أنها لا تشعر بالراحة في بيتها لأنني اعترضت على عدة أشياء منذ انتقالي للسكن معها. لا أعرف كيف توقعت ألا أعترض على الإزعاج الصباحي أو عدم القدرة على الاستحمام لعدم وجود ستارة تغطي نافذة الحمام الشفافة. كيف لا أعترض وأنا أنظف خيوط العنكوبت التى كانت تغطي جدران غرفتى حتى أني وجدت عنكبوت عملاق يختبئ خلف السرير. كيف لا أعترض وقد مُنعت من الجلوس بغرفة المعيشة أوالشرفة أو المطبخ؟ فكان عليَّ أن أطبخ طعامي وأتناوله في غرفتي. وقعت عقد إيجار لمدة ستة أشهر، لكني لم أصمد أكثر من أسبوعين.!
زيارة عاجلة للطبيب
بعد ثلاث تجارب للانتقال وحيدة في أقل من ثلاثة أشهر، أصيبت ركبتي اليسرى بالتهاب ولم أعد قادرة على الحركة. ألم نفسي مُصاحب لألمي الجسدي. وشعور بالوحدة في المدينة الجديدة التي أكاد لا أعرف فيها أحد يمكن أن يساعدني أو ينصحني بطبيب أزوره. تملكتني رغبة شديدة في العودة إلى القاهرة وأسئلة كثيرة تزاحمت داخل رأسي “لماذا قررت الانتقال لألمانيا وماذا أفعل هنا..!؟” كنت سعيدة لحصولي على استشارة طبية عبر الهاتف من طبيب مصري مقيم بهامبورغ. كم أفتقد تلك الأيام في القاهرة عندما كانت زيارة الطبيب سهلة ولا تستغرق كل التعقيدات التى فرضها النظام الألمانى على حياتي.
أشعر بالألم الأن في ركبَتَي عندما أفكر أن عليَّ الانتقال للمرّة الرابعة مجدداً بعد 40 يوماً. لا أتخيل أن أعيد التجربة المريرة وحدي وما يؤرقني أكثر، أنه ليس لدي مكان جديد للانتقال إليه. فمازلت أبحث.